حكم الحلف بالطلاق والطلاق المعلَّق وتحريم الزوجة

0 40

السؤال

أنا متزوجة منذ 9 سنوات، ولدي 3 أبناء، ولله الحمد. زوجي عصبي رغم أنه عطوف على أبنائه، لكنه كثيرا ما يقسو علي. وصل به الأمر إلى تهديدي بالطلاق، وقد وقع مرة، وحلف مرتين، لكن أريد التحقق من وقوعهما.
في المرة الأولى: كانت أمي قد أنجبت أخي الأصغر بعملية قيصرية، فأنا أكبر بناتها، وقد تزوجت في السابعة عشرة. كان زوجي بالخارج، وجعلني أسكن مع أهله في منزل غير شرعي، ليس لي غير غرفة، ولدي طفل. كثيرا ما أنام على بطني من شدة الجوع، فالمطبخ للعائلة، ويغلق بالمفتاح.
وعندما تجادلت معه بأني متضايقة بسبب وجودي مع أهله -فهم عائلة لديهم الاختلاط- أصبح يضيق علي. فعندما طلبت منه الذهاب لتمريض أمي، حلف علي أني طالق إذا ذهبت إلى أهلي حتى يعود، وقد بقي عن عودته شهران، فراضيته وذهبت، وحسبت علي طلقة.
في المرة الثانية: قلت إنني أريد العمل من داخل البيت بنقش الحناء، فلدي الموهبة، بشرط أن يكون ذلك عندما يكون هو في العمل وأبنائي في المدارس، وألا أعمل أبدا في حضوره حتى لا أزعجه. وإذا حدث أي تقصير مني، سأتوقف على الفور. فقال لي إنني لا ألزمه إذا عملت، وضاق بنا الحال. فعملت خلسة ثم صارحته وقلت له إنني أخطأت، ولا أريد أن أفعل شيئا دون رضاه. لكنه قال لي: إذا عملت مرة أخرى "تحرمين علي حرمة أمي إذا نقشت لامرأة مرة أخرى". انكسر قلبي وضاقت الدنيا بوجهي، وصبرت على أمره.
ثم توالى العنف والأذى، وأصبح يذلني. في آخر مرة، قبل بضعة أيام كان يأخذنا من منزل صديق له وشغل أغنية. فقلت له: "إن الموسيقى عالية ومزعجة، وأنا أكره الموسيقى، فأنا أعلم أبنائي أن الموسيقى حرام، وأحاول جاهدة ألا أسمعها أبدا ولا أشغلها في بيتي". وبعد أن أغلقت المسجل، عاد وشغله وحلف بالطلاق بالثلاث أنه لن يغلقه، وبعد أن انتهت أغنيته أغلق المسجل.
فهل وقع طلاقه أم لا، سواء في المرة الأولى أو الثانية؟
أنا امرأة ليس لدي إخوة أكبر مني، ولا أعمام، وأبي متزوج من أخرى غير أمي، ومنذ أن تزوج لا يسأل عني أبدا. أتصل به فقط من وقت لآخر لأصله.
زوجي ليس أسوأ رجل في العالم، فلا أنكر فضله علي وعلى أهلي، فهو من ينفق علي وعلى أبنائه، لكن أسأل الله أن يعينه على نفسه.
وأنا كذلك لدي عيوبي، لكن أحاول جاهدة أن أكون أما صالحة بتعلم أمور ديني وحفظ القرآن، والتوكل على الله في كل أموري، لكنني قد أوذيت أذى شديدا، وأسأل الله الصبر والثبات.
أفتوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأفضل في مثل هذه المسائل أن يشافه زوجك أحد العلماء، أو أن يراجع أحد المراكز الإسلامية؛ فقد تكون هنالك حاجة لمعرفة قصده بما تلفظ به ونحو ذلك من الأمور التي تحتاج لاستبيان.

وعلى وجه العموم وللفائدة نقول:

أولا: إن الزوج مأمور شرعا بأن يحسن عشرة زوجته، كما أمر الله -عز وجل- بذلك في كتابه في قوله سبحانه: وعاشروهن بالمعروف {النساء: 19}.

وتهديد الزوجة بالطلاق، والإساءة إليها في التعامل يتنافى مع هذا التوجيه الرباني.

وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى: 134877

ثانيا: من حق الزوجة على زوجها أن تكون في مسكن مستقل، ولا يلزمها أن تسكن مع أهله، وخاصة إن كان هذا السكن يترتب عليه الاختلاط ونحو ذلك من المحاذير الشرعية.

وراجعي الفتوى: 137672 

ثالثا: الحلف بالطلاق له حكم الطلاق المعلق، فإذا حصل المعلق عليه وقع الطلاق في قول جمهور الفقهاء؛ سواء قصد الزوج الطلاق أم لا، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه إذا لم يقصد الزوج الطلاق لا يقع الطلاق وتلزمه كفارة يمين، وهو اختيار ابن تيمية.

وانظري الفتوى: 19162 

رابعا: أن قول الزوج لزوجته:( تحرمين علي حرمة أمي إذا فعلت كذا...)، يرجع فيه إلى نية المتكلم: فإن قصد الطلاق؛ فهو طلاق، وإن قصد الظهار؛ فهو ظهار، وإن أطلق كان مخيرا بين أن يجعله ظهارا أو طلاقا، وإن قصد بالتحريم تحريم عينها، ولم يقصد ظهارا ولا طلاقا، فلا يقع واحد منهما، وعليه كفارة يمين.

وقد نقلنا كلام أهل العلم بهذا الخصوص في الفتوى: 60651

خامسا: أن الحلف بالطلاق بالثلاث على عدم فعل شيء معين، الكلام فيه كالكلام فيما سبق في أصل مسألة الحلف بالطلاق، وطلاق الثلاث تقع به ثلاث طلقات في قول جمهور الفقهاء.

وذهب ابن تيمية وآخرون إلى أنه تقع طلقة واحدة.

وهذا ما بيناه في الفتوى: 5584

وننبه هنا إلى أن نية الزوج لها اعتبارها في الأيمان، وكذلك السبب الباعث على اليمين له اعتباره، كما ذكر ذلك الفقهاء.

وراجعي فيه الفتوى: 359263

سادسا: على الزوجين أن يحرصا على كل ما يكون سببا لاستقرار الأسرة، وأن يسود بينهما الحوار والتفاهم، والتغاضي عن الزلات، وأن لا يجعلا للشيطان فرصة للوقيعة بينهما، كما هو  شأنه.

روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة