أحكام بيع السلعة الغائبة

0 2

السؤال

ما حكم شراء بضاعة مملوكة لتاجر، لكنها غير حاضرة في مجلس العقد، وإنما موجودة في مخزنه، سواء كان الدفع نقدا أو آجلا؟ هل يدخل هذا البيع في حكم بيع الموصوف في الذمة، أم البيع عن طريق الكتالوج (النموذج)؟
فعند الشراء، يستلم الزبون إيصالا بالبضاعة، ثم يذهب لاستلامها من المخزن، سواء دفع الثمن نقدا، أو بشيك آجل، أو دفع جزءا منه. كما أن هذه البضاعة غير معينة بإشارة أو نحوها.
فمثلا: يذهب زبون إلى محل أو إدارة شركة تبيع الأجهزة الكهربائية، وتكون لدى الشركة كميات كبيرة من كل جهاز من طراز معين وماركة محددة، فيتعاقد الزبون على شراء أحد هذه الأجهزة دون تحديد جهاز بعينه، بعد أن اطلع على صورته ومواصفاته من الكتالوج أو عبر الإنترنت، ودفع الثمن يكون نقدا، أو دفع جزء من الثمن، أو الشراء بالتقسيط، أو بالدفع الآجل.
وبعد إتمام العقد، يستلم الزبون إيصالا بجهاز التكييف، ثم يتوجه إلى المخزن لاستلام أحد الأجهزة المتماثلة، وينطبق ذلك -أيضا- في حالة الاتفاق على توصيل الجهاز إلى منزل الزبون، حيث يدفع جزءا من الثمن عند العقد، ثم يسدد باقي المبلغ عند التسليم.
مثال آخر: إذا تم التعاقد عن طريق الإنترنت أو الهاتف، ودفع المشتري كامل المبلغ أو جزءا منه (عبر تحويل لحساب البائع) أو لم يدفع شيئا، ثم قامت الشركة بتوصيل أحد الأجهزة المتماثلة إلى منزل المشتري، سواء دفع عند الاستلام أو دفع قسطا من الثمن. فهل هذه المعاملات تدخل في باب بيع الموصوف في الذمة، الذي يشترط فيه دفع الثمن كاملا عند مجلس العقد (وهو ما يعرف بالسلم الحال)، نظرا لأن البضاعة مملوكة، ولكنها موصوفة وغائبة، وغير معينة؟ أم إن هذا من قبيل بيع النموذج؟
والإشكال هنا هو: في حالة البيع عبر الهاتف أو الإنترنت، حيث يفترق البائع والمشتري عن مجلس العقد بعد انتهاء الحديث، دون تسليم الثمن أو استلام المبيع، وكذلك المبيع موصوف، لكنه غير معين بإشارة أو نحوها، والبائع نفسه لا يحدد بضاعة معينة عند التعاقد، وإنما يمتلك عددا كبيرا من نفس النوع، ويحدد الجهاز المبيع فقط عند التغليف والشحن. فما الحكم الشرعي لهذه المعاملات؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت البضاعة في ملك البائع، وكانت غائبة عن مجلس العقد، جاز بيعها على الصفة المميزة لها، على الراجح من أقوال أهل العلم في بيع الغائب.

قال ابن جزي في القوانين الفقهية: يجوز في المذهب بيع الشيء الغائب على الصفة، أو رؤية متقدمة، وأجازه أبو حنيفة من غير صفة ولا رؤية، ومنعه الشافعي مطلقا. اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة: إذا ثبت جواز بيع الغائب بالصفة، فالذي يحتاج إليه من ذلك كل صفة مقصودة تختلف الأغراض باختلافها، وتتفاوت الأثمان لأجلها، وتقل الرغبة في العين، وتكثر بحسب وجودها وعدمها. اهـ. 

وجاء في الموسوعة الفقهية: إذا كان المبيع غائبا، فإما أن يشتري بالوصف الكاشف له، على النحو المبين في عقد السلم، وإما أن يشتري دون وصف، بل يحدد بالإشارة إلى مكانه، أو إضافته إلى ما يتميز به ... وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة. اهـ. 

ويجوز في بيع الغائب نقد الثمن كله أو بعضه من غير اشتراط من البائع، أما إن اشترط البائع نقد جميع الثمن؛ فيصح هذا فيما يؤمن تغيره، كالأجهزة الواردة في السؤال. قال القاضي عبد الوهاب في المعونة أيضا: المبيع على ‌ثلاثة أضرب: عين حاضرة، وغائبة عن العقد، وسلم في الذمة غير معين. اهـ. 

ثم قال: إن تبرع المشتري في بيع الغائب بنقد الثمن أو بعضه قبل مجيء المبيع، جاز. فأما إن اشترط البائع عليه النقد، فيجوز في المأمون، لعدم تغيره، وأمنه في الغالب -كالعقار، والدور-، ولا يجوز في الحيوان، والمأكول، وما لا يؤمن تغيره، والفرق أن المأمون يقبل الغرر فيه، وغير المأمون يكثر الغرر فيه، فاشتراط النقد فيه غرر، ولأنه يدخله سلف وبيع؛ لأن النقد يتردد بينهما، لأن المبيع إن سلم كان نقدا، وإن لم يسلم كان البائع قد انتفع بالثمن ثم رده إلى المشتري. اهـ. 

وراجع للفائدة الفتاوى: 103465، 61817، 62802

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة