السؤال
زوجتي قامت بسبي بقولها: "يا حيوان"، وتقول إن ذلك بسبب عصبيتها الناتجة عن أنني أعاملها بطريقة عصبية، ودائما أهينها وأقول لها: "يا كذابة". فهل كلاهما يدخل في باب سباب المسلم المنهي عنه، أم إن قول "يا كذابة" لا يعد سبابا إذا كان بحق، وكانت الزوجة تكذب فعلا؟
على سبيل المثال، إذا قالت إنها كانت مشغولة، لأنها كانت تتحدث مع أمها، في حين أنها كانت مشغولة بأمر آخر، ولم تحدث أمها، وتتعلل دائما بالنسيان عند مواجهتها بالحقائق.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الشرع بالنهي عن أن يسب المسلم أخاه المسلم، روى البخاري، ومسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. وهذا يشمل أن يسبه بما فيه، وبما ليس فيه، وراجع الفتوى: 56287.
وقد عد بعض أهل العلم سب المسلم من كبائر الذنوب. قال ابن حجر الهيتمي: الكبيرة التاسعة والثمانون، والتسعون، والحادية والتسعون بعد المائتين: سب المسلم، والاستطالة في عرضه. اهـ.
وإذا كان هذا في السباب بين عامة المسلمين، فيتأكد المنع في حق الزوجين، حيث ربط بينهما هذا العقد الشرعي الذي سماه بالميثاق الغليظ، كما في قوله عز وجل: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا {النساء: 21}.
وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
واللفظان المذكوران يدخلان في السب المنهي عنه شرعا، ووصف أحد الزوجين بهما، أو بأحدهما يتنافى مع ما أمر به الشرع من حسن العشرة بين الزوجين، كما في قوله سبحانه: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة: 228}.
والعصبية لا تنافي أهلية التكليف، فالغضبان مكلف ومسؤول عن أقواله، إلا إذا كان لا يعي ما يقول.
وينبغي أن يجتهد المسلم في أن يضبط نفسه عند الغضب، فإنه من مفاتيح الشر، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، نقلا عن ابن التين أنه قال: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب" خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين. انتهى.
وينبغي -أيضا- أن ينصرف الغضبان بعيدا، حتى تهدأ نفسه، حذرا من أن يقول، أو يفعل ما لا يليق، كما في قصة علي، وفاطمة -رضي الله عنهما-. وجاء في فوائد هذه القصة قول ابن حجر في فتح الباري أيضا: قال ابن بطال: وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب، وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته، ولا يعاب عليه.
قلت: ويحتمل أن يكون سبب خروج علي خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة -رضي الله عنهما-، فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما. انتهى.
والله أعلم.