السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد الصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين
أنا شاب مصري حاصل على بكالوريوس تجارة 31 عاما لي والدان وأخت واحدة فقط وليس لي ذكور أخطأت خطأ في حياتي لا أعلم ماذا أفعل فيه مع أني تبت وأنبت إلى الله عز وجل وقد غادرت بلدي وتركت أهلي بسبب هذا الخطأ إلا أنه يؤرقني حكم الشرع في هذا الأمر حتى لا أطيل عليكم فسوف أختصر وأبدأ سرد قصتي ... في يوم من الأيام استسلمت للشيطان أنا وصديق لي وقررنا أن ننصب على إخي صديقي الذي يعيش في اليونان للعمل بحجة أن هذا الأخ لا يصرف على أخيه ولا يبعث أموالا لأهله . على كل حال فقد استطعت أخذ بطاقة هذا الأخ من صديقي ووضعت صورتي عليها وأتقنت توقيعاته وسحبت رصيده من البنوك مع شهادات الاستثمار وكان مجموع هذه المبالغ منذ أربع سنوات تقريا 4750 دولارا وحوالي 10000 جنيه مصري ولم أعط صديقي سوى 1500 جنيه وأخذت أنا الباقي وأنفقته مع العلم أنني لست بمقامر أو من يشرب الخمر أو من يدفع للنساء من أجل الزنا فقد انفقت هذه الأموال على ملذات زائلة مثل عمل حفل خطوبة وكذا ملايس أنيقة وبعدها انكشف الأمر واعترف علي صديقي وخرج من السجن ثم هربت أنا إلى بلد مجاور لليبيا وبعدها حكمت علي المحكمة بسبع سنوات مع الشغل غيابيا وأنا الآن وبعد أربع سنوات تبت إلى الله عز وجل ودائم على الصلاة والذكر وربنا مجزل عليه نعمتي في البلد الذي أعيش فيها مع توفير عمل مناسب ولا يعرف عني أحد أي شيء لدرجة أن أحد الصالحين عرض علي أخته للزواج لذا فأنا أريد أن أعرف حكم الشرع في عدة مسائل تتعلق بمصيبتي هذه وهي كالآتي :
1- كيف أرد لهذا الأخ أمواله التي استوليت عليها وأطلب مسامحته مع العلم أنني لم تربطني به أي صلة وأنا لا أعيش في البلد التي يعيش فيها وإني أخشى على والدي من اقحام نفسهم في هذه القضية ؟
2- هل للدولة المصرية حق علي بحيث أنها حكمت علي بالسجن لمدة سبع سنوات ؟
3- هل يجوز شرعا الدخول إلى بلدي عبر الطرق الغير قانونية كالتسلل أو تغيير الاسم في الجواز أو قبيل ذلك ؟
4- هل أصارح هذا الرجل الصالح الذي عرض علي أخته بالزواج مني بحقيقة أمري مع أنه طلب عنواني في مصر لكي يزور أهلي لأنه على سفر إلى مصر للعلاج مع العلم أنني أخشى أن ينفضح أمري أمامه ؟
5- هل التوبة والإنابة إلى الله كافية لمغفرة هذا الذنب ؟
أنا أريد أن أطهر نفسي مما حدث لها في الماضي أفتوني جزاكم الله عني كل خير
والله من وراء القصد وهو على كل شيء قدير
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السرقة من أقبح الجرائم التي حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإسلام احتراما لكرامة الإنسان احترم المال الذي هو عصب الحياة واحترم ملكية الأفراد، فحرم السرقة والغصب والاختلاس والخيانة والربا والرشوة.. واعتبر كل ما أخذ بغير حق شرعي أكلا لأموال الناس بالباطل، والإسلام شدد في السرقة فقضى بقطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر هذه الجريمة، لأن اليد الخائنة بمنزلة العضو المريض، فيجب بتره ليسلم بقية الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل أمر مسلم به شرعا وطبعا.
وهي كذلك عبرة وردع لضعاف النفوس ومرضى القلوب، حتى لا تسول لهم أنفسهم السطو على أموال الناس. وبهذا تحفظ الأموال وتصان الكرامة. قال الله تبارك وتعالى: [والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم] (المائدة: 38). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده. متفق عليه.
فيجب عليك أن تتوب إلى الله من هذا العمل وأن ترد ما أخذته لصاحبه بأي وسيلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، وإن كنت تخشى الفضيحة فعليك أن تحتال بطريقة ما لإيصال المال إلى من يملكه، كأن ترسله بحوالة باسمه، وتذكر بأنك في فترة ماضية أخذت هذا المال دون أن تذكر له اسمك، أو نحو ذلك من الحيل التي تتوصل بها إلى رد الحق لأهله، والذكي لا يعدم حيلة، وإذا كنت لا تعرف مكان صاحب الحق فيجب عليك السؤال حتى تعرفه وتؤدي إليه حقه ولا تتم توبتك إلا بذلك، هذا، والذي نظنه هو أن علمه بأنك أنت الذي أخذت المال وقد تبت ورددته تائبا قد يخفف عنك شدة الطلب ويجعل أمرك أيسر.
أما عن حكم المحكمة المصرية عليك بالسجن سبع سنين فإنه مخالف لحكم الله تعالى، لأن حكم الله تعالى في ذلك هو قطع اليد إذا ثبت ذلك للقاضي بالبينة، لكن إن كان ذلك مع الحكم بقطع اليد فقد نجد لهم مخرجا بكون ذلك من التعزير.
مع التنبيه إلى أنه لا يصح الحكم عليك غيابيا حتى يتم التعرف على أقوالك والتعرف على إجابتك عن هذا العمل. ومع التنبيه أيضا إلى أنه لا يلزمك أن تسلم نفسك للمحكمة إذا تبت وأعدت الحق لأهله.
وأما عن دخول بلدك عن طريق التسلل فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وأما عن طريق تغيير الاسم فإذا كنت ستغير اسمك حقيقة فلا حرج، أما إذا كان كذبا فلا يجوز، إلا أن يكون اسما محتملا كعبد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك، أو تكون هنالك ضرورة ملجئة لذلك.
وأما عن مصارحتك للرجل الصالح الذي عرض عليك أخته بما حصل منك فإنه أمر غير مشروع، بل المشروع هو أن تستر على نفسك ولا تفضحها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
والله أعلم.