السؤال
هل للمستأجر في القطاع الخاص الحرية في ضبط عدد ساعات العمل لأجيره حسب ما تقتضيه ظروف العمل؟ أم عليه أن يحدد ساعات معينة ومازاد عن ذلك يتعين عليه أن يؤدي له أجره المناسب عن تلك الزيادة؟
هل للمستأجر في القطاع الخاص الحرية في ضبط عدد ساعات العمل لأجيره حسب ما تقتضيه ظروف العمل؟ أم عليه أن يحدد ساعات معينة ومازاد عن ذلك يتعين عليه أن يؤدي له أجره المناسب عن تلك الزيادة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [سورة المائدة: 1]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود، وصححه السيوطي.
وعليه؛ فالأمر في وقت الإجارة ومقدار الأجرة وطبيعة العمل المستأجر عليه راجع إلى العقد والاتفاق الحاصل بين المستأجر والأجير، ولا يجوز للمستأجر الإخلال بالعقد وزيادة الوقت المتفق عليه بغير رضا الأجير؛ إلا إذا انتهى أمد العقد فله بعد ذلك الاتفاق معه على ما يشاء في عقد جديد.
وإذا عمل الأجير أكثر من الساعات المتفق عليها غير متطوع بذلك فإنه يلزم صاحب العمل أن يدفع له أجرة المثل. هذا هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو وجه عند الشافعية.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين، وهو من أئمة الحنابلة: لو دفع ثوبه إلى من يعرف أنه يغسل أو يخيط بالأجرة، أو عجينه لمن يخبزه، أو لحما لمن يطبخه، أو حبا لمن يطحنه، أو متاعا لمن يحمله، ونحو ذلك ممن نصب نفسه للأجرة على ذلك وجب له أجرة مثله, وإن لم يشترط معه ذلك لفظا عند جمهور أهل العلم حتى عند المنكرين لذلك، فإنهم ينكرونه بألسنتهم ولا يمكنهم العمل إلا به.انتهى.
وفي الفتاوى الهندية، وهو من كتب الحنفية: وإن استأجر ليعمل له كذا ولم يذكر الأجر، أو استأجر على دم أو ميتة لزم أجر المثل بالغا ما بلغ.انتهى.
وفي حاشية الدسوقي، وهو من كتب المالكية: من فروع المسألة ما يقع كثيرا: يخدم الشخص عند آخر والآخر يطعمه، فيرجع عليه بأجرة مثله، ويرجع الآخر عليه بما أنفقه عليه.انتهى.
وفي المغني لابن قدامة الحنبلي: إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار, ليخيطه أو يقصره, من غير عقد ولا شرط, ولا تعويض بأجر, مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله, وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر. وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك, ففعلا ذلك فلهما الأجر. وقال أصحاب الشافعي: لا أجر لهما; لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما, فأشبه ما لو تبرعا بعمله. ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول, فصار كنقد البلد, وكما لو دخل حماما, أو جلس في سفينة مع ملاح, ولأن شاهد الحال يقتضيه, فصار كالتعويض. فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك, لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العوض, أو تعويض به; لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد, فصار كما لو تبرع به, أو عمله بغير إذن مالكه.انتهى.
وفي نهاية المحتاج للرملي الشافعي:( ولو ) عمل لغيره عملا بإذنه كأن ( دفع ثوبا إلى قصار ليقصره أو ) إلى ( خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر ) أحدهما ( أجرة ) ولا ما يفهمها ( فلا أجرة له ) لتبرعه...( وقيل له ) أجرة مثله لاستهلاكه منفعته ( وقيل إن كان معروفا بذلك العمل ) بالأجرة ( فله ) أجرة مثله ( وإلا فلا, وقد يستحسن ) ترجيحه لوضوح مدركه, إذ هو العرف وهو يقوم مقام اللفظ كثيرا, ونقل عن الأكثرين والمعتمد الأول, فإن ذكر أجرة استحقها قطعا إن صح العقد وإلا فأجرة المثل, وأما إذا عرض بها كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما تحبه, أو يسرك أو أطعمك فتجب أجرة المثل.انتهى.
وينبغي التنبيه إلى أنه في بعض البلدان يمنع ولي الأمر أصحاب القطاع الخاص من زيادة عدد ساعات العمل على ثمان ساعات مثلا، وفي هذه الحالة يلزم طاعة ولي الأمر لأنه يرى أن هذا من مصلحة الرعية والتيسير عليهم، والله تعالى يقول: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [سورة النساء: 59]. وهذه هي المسألة المشهورة المعروفة في كتب الفقهاء بمسألة تقييد الدولة للمباح.
والله أعلم.