السؤال
حدث بينى و بين زوجي مشادات و على إثرها كان يقول أنت سوف تكونين طالقا بالثلاث لو كذبت علي في أي شيء . فإنني لا أكذب ولكني عندما يسألني عن أهلى ماذا قالوا عن موضوع كذا مثلا فإننى أحاول أن لا يغضب منهم فلا أقول الأقوال التي يمكن أن تضايقه منهم هذا ينطبق أيضا على أقاربي. أو مثلا عندما يسألني عن كم معي متبقى من مرتبي لا أحب أن أقول كم معي بالضبط حتى أصرف الفلوس التي أر يد أن أشتري بها أشياء تخصنى فهل هذا يعتبر كذبا؟
أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن الكذب محرم تحريما غليظا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند كذابا. ولكن قد رخص الشرع في الكذب في حالات ترجيحا للمصلحة وتفاديا لمفسدة أكبر، وفي الصححين عن أم كلثوم بنت عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. ومما رخص الشرع فيه ما تقوله المرأة لزوجها ترجيحا لمصلحة إبقاء المودة والألفة وتفاديا لمفسدة الشقاق والخصومات، فقد زاد مسلم في الحديث المتقدم قول أم كلثوم: ولم أسمعه ـ تعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث، الحرب و الإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. وفي المسند وسنن الترمذي عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لايصلح الكذب ـ وفي رواية ـ لا يحل الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه أو كذب في الحرب فإن الحرب خدعة أو كذب في صلاح الناس. وروي أن رجلا في عهد عمر قال لامرأته: نشدتك بالله هل تحبينني، فقالت: أما إذ نشدتني بالله فلا، فخرج حتى أتى عمر فأرسل إليها، فقال لها: أنت التي تقولين لزوجك: لا أحبك، قالت: يا أمير المؤمنين نشدني بالله أفأكذب، قال: نعم فاكذبيه ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب. ذكر هذه القصة البغوي في شرح السنة. وبناء على ما تقدم فيجوز لك أن تخبري زوجك بما هو خلاف الحقيقة إذا كان في ذلك مصلحة معتبرة شرعا، بل إنه قد يحرم عليك أن تخبريه بكل ما يقوله أهلك عنه لما في ذلك من النميمة وإفساد ذات البين. هذا في حكم الكذب على الزوج عموما، ولكن بقي حكم الطلاق في هذه المسألة هل يقع أم لا، فالجواب أن قول زوجك: أنت سوف تكونين طالقا بالثلاث، يحتمل أمرين اثنين: الأول منهما أن زوجك قصد بذلك توعدك بالطلاق إذا كذبت عليه ولم يقصد تعليق الطلاق على الكذب، وبعبارة أوضح يعني أنه لم يقصد أنك بمجرد ما تكذبين عليه تطلقين تلقائيا، وإنما قصد أنك إذا كذبت عليه سوف يطلقك.
إذا كان هذا هو قصد زوجك فإن هذا يعتبر وعدا بالطلاق وليس طلاقا معلقا ولا يترتب عليه شيء إلا إذا نفذ وعده ذلك ونجزه. الأمر الثاني: الذي يحتمله قول زوجك المذكور هو أنه قصد بذلك القول تعليق الطلاق على كذبك عليه ـ والظاهر أنه لا فرق بين ما إذا اطلع على كذبك أم لم يطلع وبين ما إذا كان الكذب مرخصا لك فيه أم لا، وبناء على هذا الاحتمال فإنك إن كذبت عليه وقع الطلاق بالثلاث وبنت منه بينونة كبرى، هذا هو قول جمهور أهل العلم في هذ المسألة. والذي ننصحك به في هذه الحالة هو أن لا تكذبي عليه حتى لا يقع الطلاق ولكن إذا سألك عما لا تريدين إخباره بالحقيقة فيه فوري عنه وقولي له كلاما عاما ليس فيه إخبار بالحقيقة ولا كذب وبهذا تنحل المشكلة إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.