السؤال
هل في الجنة أو يوم القيامة نعرف العلوم التي لم يخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، لأني سمعت أن هناك علم الشريعة وعلما أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بكتمه وعلما أخبر به أبا هريرة فقط، وقال أبو هريرة بما معاناه أنه لو أخبر به أحدا لقطع بلعومه... وهل هناك أحد يعرف هذا العلم غير أبا هريرة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة كاملة ولم يختص أحدا من الصحابة بعلم انفرد به دون سائر الأمة من العلوم التي تحتاجها الأمة.
أما ما يدعيه بعض الناس من أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بعض الصحابة دون بعض، أو أن للشريعة ظاهرا وباطنا فمن الكذب والبهتان، وليس هناك علم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتمانه؛ بل أمر صلى الله عليه وسلم بنشر العلم وتبليغه، فقال صلى الله عليه وسلم: نضر الله أمرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع. رواه أبو داود والترمذي وصححه.
أما حديث أبي هريرة فرواه البخاري ولفظه: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم.
فأبو هريرة هو الذي كتم هذا العلم لما خاف على نفسه الفتنة أو القتل، وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بالكتمان، وأيضا فإن عامة أهل العلم حملوا الوعاء الذي كتمه أبو هريرة على ما يتعلق بأحاديث الفتن وأسماء المرتدين والمنافقين ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى لحديثه الآخر الذي رواه البخاري قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتين في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات. إلى قوله تعالى (الرحيم). الحديث. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة.
وقال أيضا: قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين، قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله (قطع) أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم كتم العلم، وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به. انتهى.
والله أعلم.