السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أريد أن أعرف لو شخص فدى شخصا آخر بنفسه أي مات بدل منه في محاولة لإنقاذ حياته، فهل هذا يعد انتحارا أو حراما حتى لو كان هذا الشخص لا يمت له بصلة؟
بسم الله الرحمن الرحيم أريد أن أعرف لو شخص فدى شخصا آخر بنفسه أي مات بدل منه في محاولة لإنقاذ حياته، فهل هذا يعد انتحارا أو حراما حتى لو كان هذا الشخص لا يمت له بصلة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففداء الشخص شخصا آخر بنفسه لا يعد انتحارا، وإنما هو رتبة عالية من الإيثار، وقد وجدت منه لمحة في معركة اليرموك حكاها حذيفة العدوي بقوله: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي -ومعي شيء من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. انتهى. رضي الله عنهم جميعا.
وقد روى ابن الأعرابي مثل ذلك أيضا عن عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وكانوا قد أتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه، فقد أتي عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمر ينظر إليه فقال: (ابدؤوا بهذا)... فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال: ابدؤوا بهذا... فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم...
ويقول أحد الشعراء في الجود بالنفس:
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود
والجدير بالملاحظة هنا أن الفداء بالنفس لا يعد انتحارا إذا لم يفعل الشخص لنفسه فعلا يموت به، فلو أن شخصا مثلا تبرع لآخر بأعضاء من جسمه تتوقف حياة المتبرع عليها، كالقلب والرأس ونحوهما، فإن ذلك حينئذ يعد انتحارا، وقد علم من الأحاديث الصحيحة أن المنتحر خالد مخلد في النار، ففي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
والله أعلم.