السؤال
أنا أسكن في المهجر وإخواني في بلدي الأصلي، وهم بمالي اشتروا عقارا وهو محلات تجارية، استخدموها لهم من غير دفع إيجار سنين وهذا من باب المساعدة مني لهم، نظرا لصعوبة السفر إليهم ما سافرت إليهم وكل شيء يتم بيننا بالاتصال الهاتفي، وانتهت المسألة بيننا ببيع المحلات لهم بسعر هم عرضوه علي وحسب المعلومات التي أعطوني بالهاتف، معلومات قليلة للغاية لكن كنت أثق بهم للغاية كذلك، لكن بعد إتمام البيع حصلت على معلومات من طرف آخر بأن البيع كان رخيصا للغاية.. الآن أنا أشعر بأن هناك غشا من طرف إخواني، والآن سعر المحلات وصل أضعاف ما دفعوا لي، سؤالي: كيف نعيد مسألة البيع بحيث تكون أكثر عدلا، أو أدفع لهم ما دفعوا لي ويردوا لي المحلات؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر راجع إلى مسألة الغبن، وهل يثبت الخيار بسببه لأن ما حصل لك يعد من الغبن؟، وقد ذهب جمهور الفقهاء من حنفية (على ما عليه الفتوى عندهم) ومالكية وحنابلة إلى ثبوت الخيار بسبب الغبن إذا كان المتعاقدان قد غر أحدهما الآخر على تفاصيل لهم في ذلك، وهو قول عند الشافعية، قال الحصكفي الحنفي: (و) اعلم أنه (لا رد بغبن فاحش) هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين (في ظاهر الرواية) وبه أفتى بعضهم مطلقا كما في القنية ثم رقم وقال (ويفتى بالرد) رفقا بالناس وعليه أكثر روايات المضاربة وبه يفتى ثم رقم وقال (إن غره) أي غر المشتري البائع أو بالعكس أو غره الدلال فله الرد (وإلا لا) وبه أفتى صدر الإسلام وغيره. انتهى.
وفي شرح الدردير المالكي: (ولا) يرد المبيع (بغبن) بأن يكثر الثمن، أو يقل جدا (ولو خالف العادة) بأن خرج عن معتاد العقلاء (وهل) عدم الرد بالغبن (إلا أن يستسلم) المغبون (ويخبره) أي يخبر صاحبه (بجهله) تفسير للاستسلام بأن يقول المشتري للبائع بعني كما تبيع الناس فإني لا أعلم القيمة، أو يقول البائع اشتر مني كما تشتري من غيري، أو غير ذلك (أو يستأمنه) بأن يقول أحدهما للآخر ما قيمته لأشتري بها، أو لأبيع بها فيقول له قيمته كذا والحال أنه ليس كذلك فهو تنويع ظاهري والمؤدى واحد فله الرد حينئذ قطعا أو لا يرد مطلقا (تردد) المعتمد منه الأول.. انتهى.
حاشية الدسوقي: قوله والمتعمد منه الأول.. أي: وهو ما ذكره المصنف من أن محل عدم الرد بالغبن إذا وقع البيع على وجه المكايسة، وأما إن وقع على وجه الاستسلام بأن أخبره بجهله، أو استأمنه فإنه يرد للرجوع للغش والخديعة حتى أن بعضهم أنكر القول الثاني القائل بعدم الرد مطلقا.
وفي الفروع لابن مفلح الحنبلي: يثبت على الأصح لمسترسل جاهل بالقيمة إذا غبن وفي المذهب: أو جهلها لعجلته، وعنه: ولمسترسل إلى البائع لم يماكسه، اختاره شيخنا، وذكره المذهب. وفي الانتصار له الفسخ ما لم يعلمه أنه غال وأنه مغبون فيه.
وذهب الشافعية إلى أن الغبن لا يثبت الخيار لأن الشخص قد قصر في السؤال، قال الشيرازي في المهذب: وإن اشترى شيئا فتبين أنه غبن في ثمنه لم يثبت له الرد، لما روي: أن حبان بن منقذ كان يخدع في البيع، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا بعت فقل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثا. ولم يثبت له خيار الغبن: ولأن المبيع سليم ولم يوجد من جهة البائع تدليس، وإنما فرط المشتري في ترك الاستظهار فلم يجز له الرد. انتهى.
لكن ما هو مقدار الغبن الذي يثبت به الخيار عند من قال به؟
اختلف في ذلك من قال به: فعند الحنفية والمالكية في الراجح والحنابلة في قول أن العبرة في تقدير الغبن بعادة التجار لأنهم هم الذين يرجع إليهم في العيوب ونحوها من الأمور التي تقتضي الخبرة في المعاملات.
والقول الثاني لكل من المالكية والحنابلة أن المعتبر في الغبن الثلث.
والقول الثالث للمالكية ما زاد على الثلث، قال ابن عابدين: (قوله: هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين) هو الصحيح كما في البحر، وذلك كما لو وقع البيع بعشرة مثلا، ثم إن بعض المقومين يقول إنه يساوي خمسة، وبعضهم ستة وبعضهم سبعة فهذا غبن فاحش، لأنه لم يدخل تحت تقويم أحد بخلاف ما إذا قال بعضهم، ثمانية وبعضهم تسعة وبعضهم: عشرة فهذا غبن يسير. انتهى.
وفي حاشية الدسوقي: (قوله، ولو خالف العادة) أي هذا إذا كان الغبن بما جرت به العادة في مغالبة الناس بل ولو كان الغبن بما خالف العادة، وقوله بأن خرج عن معتاد العقلاء أي في المغالبة وهذا تفسير للمبالغة الغير المعتادة، وأما المبالغة المعتادة فهي الزيادة على الثلث وقيل الثلث. انتهى.
وفي الفروع لابن مفلح: ونص أحمد: الغبن عادة، وقيل: الثلث، وقيل: السدس، والغبن محرم نص عليه. انتهى.، وعلى كل فالذي ننصحك به هو أن تدخل من يصلح بينكم ويوصلكم إلى حل مرضي من قبل جميع الأطراف فإن أردت المشاحة فارفع الأمر إلى القضاء وهو الذي يفصل في الأمر.
والله أعلم.