السؤال
أنا شاب عمري 23 عاما أصلي وأعبد الله عز وجل ولكني غير موفق في حياتي نهائيا وأنا عندي أب هو رجل مادي جدا يحب المال حبا جما وهو دائما يطلب المال مني وأنا أعمل بمبلغ 100 دينار أردني شهريا أدفع له 50 دينار شهريا والباقي يبقى معي وهو الذي طلب هذا المبلغ ولكنه دائما يغضب علي ويقول الله يغضب عليك ولا يوفقك وأنا غير موفق في حياتي مع العلم أني لو أعطيته كل المال الذي أشتغل به سيظل غضبان علي وأنا أعرف ومتأكد أن أبي غلطان وأنا لا أعقه بل أطيعه وأنا إنسان عابد لله وأخاف الله هل عدم توفيقي بالحياة سببه أن والدي غضبان علي ويدعو علي أم يوجد سبب ثان مع العلم أني لو أعطيت أبي كل شيء سيظل مثل ما هو أرشدوني ماذا أفعل وهل في حالة غضبه علي يستجيب الله لدعائه أم لا ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي أن يخامرك مثل هذا الشك فأي توفيق للمرء بعد هدايته وطاعته لربه وخوفه منه والتزامه بما أمر واجتنابه لما نهى . وليست الدنيا والمال معيار توفيق ولا مدار سعادة وإنما تتوقف سعادة المرء على مدى إيمانه ورضاه بقضاء الله وقدره . صحيح أنه ينقصك رضا والدك عنك وينبغي أن تحرص على مرضاته وتتجنب مساءته، فبر الوالدين من أوكد الحقوق على المخلوق بعد حق الله تعالى كما قال : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الأسراء 23 ـ 24 }
وفي الحديث : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه فقال: يارسول الله إن هذا قد احتاج إلى مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك . رواه أحمد في مسنده .
وفي رواية عند البيهقي وابن ماجه وصححها الألباني قال الرجل : إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك . وذكر ابن العربي في أحكام القرآن للحديث قصة قال: ينبغي له أن يعلم أنهما ولياه صغيرا جاهلا محتاجا فآثراه على أنفسهما، وسهرا لياليهما وأناماه، وجاعا وأشبعاه، وتعريا وكسواه، فلا يجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر إلى الحد الذي كان عليهما ، وذكر القصة وفيها أن الشيخ لما شكاه ولده قال :
غذوتك مولودا ومنتك يا فعا تعل ما أجنى عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل .
فلما قالها أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال :أنت ومالك لأبيك . وذكر القصة أيضا السبكي في رسالته في برالوالدين.
فتجب المبالغة في برهما والإحسان إليهما وتجنب ما يؤذيهما واتقاء دعائهما إلا بالمحبوب، فإن دعوة الوالدين مستجابة كما بينا في الفتوى رقم: 6807 ، ولذلك ورد النهي عن دعاء الوالدين على أولادهما كما في الفتوى رقم : 9898 .
وإذابالغت في الإحسان إلى أبيك ودفعت إليه حاجته من المال وتلطفت معه بالقول وأظهرت العناية به والنزول عند رغبته فلعله يرضى عنك، فقد جعل الله في نفسه شفقة مودة ورحمة بك، كما أن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها . ومن بر الوالدين دفع المال لهما ولو كانا بغير حاجة له كما بينا في الفتوى رقم : 54694 ، وابتغ بذلك وجه الله تعالى وسيجعل لك بعد العسر يسرا وقد قال سبحانه : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق : 2 ـ 3 }
وينبغي أن تترك الوساوس فإنها من الشيطان ، وينجي منها بإذن الله أن تعتصم بذكره وتلتجئ إليه وتكثر من قراءة المعوذتين وآية الكرسي وأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم ، وكذلك الإكثار من الطاعات والبعد عن جميع المعاصي والمحرمات والمبالغة في بر الوالدين وإكرامهما بما ينبغي، وقد بينا حقيقة بر الوالدين في الفتوى رقم : 36657 ، 66308 .
والله أعلم .