السؤال
أكتب إليكم لأقص عليكم حوارا حدث بيني وبين صديق لي عن العقيدة، بعد أن فرغت مني الحيل والحجج في مناقشة هذا الشخص. كان الجدال في موضوع شهير وموجود منذ الأزل، ألا وهو لماذا خلقنا.
سألني: لماذا خلقنا؟أجبته: هذا سؤال معروف، وجوابه معروف. "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وخلقنا الله ليمتحننا في الدنيا، ليثاب العابد ويعاقب العاصي، وحتى تتحقق لنا السعادة الأبدية في الآخرة.قال: أيحتاج ربنا لهذه العبادة؟ أو ليس يعرف من منا سيطيع، ومن منا سيعصي؟أجبت: بالطبع الله عز وجل غني عن هذه العبادة، في الحديث القدسي: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".إنما هي حتى يقيم الحجة على العاصي، لأن الله عز وجل لا يظلم أحدا، ولن يعاقب أحدا قبل أن يعصي.
قال: إذن، دعنا نأتي بتشبيه دنيوي، لنقل إن الدنيا عبارة عن شركة معينة ونحن موظفون فيها، عند توظيف أي موظف نقول له: عليك أن تجتهد وتعمل، والعمل هنا ليس بسهل وهناك الكثير من المصاعب، وجو العمل سيء ومتعب (الشهوات) ولكن عند بلوغك سن للتقاعد، وكنت موظفا جيدا، سنعطيك راتبا تقاعديا خياليا (الجنة)، أما إن لم تكن كذلك، فسوف نعاقبك ونزج بك في السجن (النار) أليس كذلك؟قلت: إلى حد ما، ولله عز وجل المثل الأعلى.قال: ولكن هل أنا مخير في وجودي في هذه الشركة؟ هل يحق لي الخروج منها؟أجبت: لا.قال: لماذا؟أجبت: هذا أمر الله عز وجل وليس لأحد أن يجادله، فهو المتصرف في عباده يفعل ما يشاء.قال: افترض أن صاحب هذه الشركة أيضا يجبرك على العمل فيها، ألن تشعر بالظلم؟ ألن تشعر أنك تريد أن تخير إذا ما كنت تريد العمل في هذا الجو السيئ المليء بالمصاعب بغض النظر عن مقدار الجائزة التي ستنالها في النهاية. ما هو شعورك ناحية صاحب الشركة في هذه الحالة؟ هل ستحبه لأنه سيعطيك الراتب الخيالي؟ أم ستكرهه لأنه أجبرك على العمل في الشركة من الأصل؟سألت: ماذا تقصد؟أجاب: أعني ماذا لو أني لا أريد أن أكون موجودا؟ لا أريد الحياة ولا الجنة ولا النار. تعطيني شهوة الجنس وتحرم علي الزنا، تعطيني حب المال وتحرم علي السرقة، تحيطني بالشهوات من كل جانب ثم تحرمها علي، تفرض علي البر بوالدين لا يمتون للأبوة والأمومة بصلة، لمجرد أنهما ربياني وأنا صغير عندما كنت لا أعي شيئا وعندما أتيا بي مجبرا على هذه الدنيا. وتقول لي يجب أن تعمل بجد، ويجب أن تكون سعيدا وتقبل على الحياة؟ كيف ذلك؟ أعلم أن الله هو الخالق والمتصرف في كل شيء ولا يجوز لنا أن نجادل في حكمته في الخلق. ولكن كيف لي أن أعمل بجد وأن أكون مقبلا على الحياة وأنا أشعر في داخلي أني مظلوم وأني لا أريد الوجود أصلا؟
فلم أعرف بماذا أجيب!! فأشيروا علي جزاكم الله خيرا.