السؤال
زوجتي مسلمة ومحجبة ومن حفظة القرآن الكريم تواجهني مشكلة في غيرتي عليها وأنا أخاف من الإفراط في الغيرة عليها بحيث تكبر الهوة بيننا ما هي حدود الغيرة، هل أسمح لزوجتي بالعمل في جمعية خيرية فيها رجال، هل أسمح لها بالذهاب لتوزيع هدايا العيد، أحبها حبا جما ولا أريد أن أظلمها، لكني أخاف عليها فهي طيبة القلب وتظن أن كل الناس مثلها وتعتقد بأن الرجل المتزوج لا خوف منه !! فتتكلم معه بحرية أكبر، ماذا أفعل مع حبيبتي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغيرة من الغرائز البشرية التي أودعها الله في الإنسان تبرز كلما أحس شركة الغير في حقه بلا اختيار منه، والغيرة صفة محمودة ولا خير في من لا يغار، بل إن قلبه منكوس، قال ابن قدامة في المغني: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتعجبون من غيرة سعد؟؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني. وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير في من لا يغار. وقال محمد بن علي بن الحسين: كان إبراهيم عليه السلام غيورا، وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. انتهى.
والغيرة لها آداب ينبغي مراعاتها وإلا انقلبت إلى غيرة مذمومة، من هذه الآداب أن لا تكون دونه ريبة، روى أبو داود والنسائي وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحبها الله، فالغيرة من الريبة، والغيرة التي يبغضها الله، فالغيرة من غير ريبة....
ومنها عدم إكثار الإنكار على المرأة ومراقبتها، لأن ذلك بمثابة التهمة لها، قال السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب: (ولا تكثر الإنكار) عليها فإنك تقوي العين عليها فإن فعلت (ترم) زوجتك بسبب كثرة إنكارك عليها (بتهمة) في نفسها. فيقول الفساق: وأهل الفجور لولا أنه يعلم منها المكروه لما أكثر من إنكاره عليها....
وفي الفروع قال ابن عبد البر: قال سليمان (قلت: والمحفوظ في التواريخ وتراجم الأنبياء) قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة فترم بالشر من أجلك وإن كانت بريئة. انتهى.
فالغيرة مطلوبة عند وجود ريبة، وأن تكون باعتدال فلا إفراط ولا تفريط، وأما عن حكم عمل المرأة في مكان يوجد به رجال، فجائز إذا دعت الحاجة له والتزمت بالضوابط الشرعية، ومن هذه الضوابط الالتزام بالحجاب الشرعي، وعدم الخلوة بالرجال الأجانب، وعدم الكلام معهم لغير حاجة، سواء المتزوج منهم وغير المتزوج، إذ لا فرق بين الرجلين، فكل منهما أجنبي عنها، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9390، 3859، 19233.
والله أعلم.