السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله إمامنا وقدوتنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد : أعمل في إحدى دول الخليج منذ سنوات وكنت أسكن بالإيجار في إحدى الشقق وحدي قبل أن تلتحق بي الأسرة. وبعد وصولهم أصبحت الشقة غير مناسبة إذ دخلتها الفئران ولا يمكن العيش فيها وبعيدة عن مكان عملي فأحببت أن أرحل وأبلغت وكيل الشقة قبل شهر من ذلك، فقال يجب عليك دفع باقي أجرة العقد لنهاية السنة (أي حوالي تسعة أشهر) أدفعها وأرحل. فخطرت لي فكرة أن أخبره أني سوف أعود لبلدي، فطلب مني التوقيع على ورقة بما معناه ( أنني مضطر للعودة لبلدي وسوف أترك الشقة ، وإن عدت للعمل لهذا البلد مستقبلا فسأقوم بدفع باقي العقد لأصحاب الشقة) وفعلا قمت بالتوقيع وبعد مدة انتقلت لشقة أخرى مناسبة في نفس البلد مع أنه كان موضوع عودتي لبلدي مطروحا فعلا حيث إنني معار من وزارة التربية ببلدي إلى وزارة التربية في هذه الدولة . وبعد شهرين مررت من جانب العمارة التي فيها الشقة القديمة فوجدتها مسكونة من عائلة جديدة . سؤالي : هل يجوز لهم أن يأخذوا مني مبلغا عن مدة لم أسكنها، وهل لهم حق عندي علما أنهم قد قاموا بتأجير الشقة فورا بعد خروجي وما وضعي كوني قد كذبت عليهم لأخرج من الشقة؟
والله المستعان.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على ثلاث مسائل ، وسنرد عليها على خلاف الترتيب الذي طرحتها أنت به .
الأولى : في حكم الكذب .
الثانية : في فسخ الإجارة .
الثالثة : فيما إذا كان لأصحاب الشقة الحق في أخذ أجرة منك بعد ما أجروها بعد خروجك منها .
وحول المسألة الأولى : فإن الكذب معصية ذميمة ولا يتصف به المؤمن بحيث يصير خلقا له ، روى مالك في موطئه من حديث صفوان بن سليم : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون بخيلا ؟ فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال : لا .
وذكر أهل العلم بعض الحالات التي يباح فيها الكذب ، قال في دقائق أولي النهي : ويباح الكذب لإصلاح بين الناس ، ومحارب ، ولزوجة فقط ، قال ابن الجوزي : وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به . انتهى
وقال ابن القيم في زاد المعاد : يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه . انتهى
وبما أن ما ذكرته من الأسباب التي دعتك إلى الكذب ليست أعذارا تبيحه ، فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله من هذه المعصية التي وقعت فيها .
ثم إن الوفاء بالعقود واجب لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة: 1 } والإجارة عقد لازم كما هو معلوم .
وعليه فليس لك فسخ الإجارة إلا أن تتراضى مع الطرف الآخر على ذلك .
وحول النقطة الأخيرة : فإن تأجير الشقة لشخص آخر هو حق لك أنت لأنك أنت المالك للمنفعة في تلك المدة ولكن بما أنك فسخت العقد بالحيلة التي ذكرتها ، فإن الحق في تلك المنفعة يصير حقا لأصحاب الشقة ، من باب أن من قدر على شيئه فله أخذه ، وهو ما يعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر .
والآن إذا كنت تريد التوبة النصوح فاعلم أن من تمامها أن تفي لمن استأجرت منهم الشقة بما بقي لهم من الحق ، أو تستحلهم من ذلك ، والذي يفي لهم هنا هو الفارق بين ما كان يجب عليك دفعه وما أخذوه من المستأجر الجديد .
والله أعلم .