السؤال
تشترط شركات تأجير السيارات أن لا أستخدم السيارة أكثر من مائة كيلو مترا في اليوم . فهل هذا الشرط جائز شرعا؟
تشترط شركات تأجير السيارات أن لا أستخدم السيارة أكثر من مائة كيلو مترا في اليوم . فهل هذا الشرط جائز شرعا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصورة المذكورة في السؤال إجارة جمع فيها العقد بين المدة والعمل ، والجمع بين المدة والعمل في الإجارة يفسدها في قول الجمهور ، وإذا فسدت الإجارة وقد استوفى المستأجر المنفعة كان للمؤجر أجر المثل لا غير ، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على المعتمد ، وللمالكية تفصيل في المسألة ليس هذا موضع بيانه ، وذهب الصاحبان من الحنفية أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد في رواية إلى صحة الإجارة ولو جمع فيها بين المدة والعمل ، ومذهب الجمهور هو الراجح إلا إذا كان القصد من الجمع بينهما مجرد استعجال المستأجر أو المحافظة على الدابة المؤجرة فيكون الجمع بينهما حينئذ لا أثر له لأنه لم يقصد لذاته، قال الكاساني في بدائع الصنائع وهو من كتب الحنفية : وعلى هذا يخرج ما إذا قال لرجل : استأجرتك لتخيط هذا الثوب اليوم ، أو لتقصر هذا الثوب اليوم ، أو لتخبز قفيز دقيق اليوم ، أو قال : استأجرتك هذا اليوم لتخيط هذا الثوب ، أو لتقصر ، أو لتخبز، قدم اليوم أو أخره أن الإجارة فاسدة في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد جائزة ، وعلى هذا الخلاف إذا استأجر الدابة إلى الكوفة أياما مسماة فالإجارة فاسدة عنده ، وعندهما جائزة ، وجه قولهما إن المعقود عليه هو العمل ، لأنه هو المقصود والعمل معلوم ، فأما ذكر المدة فهو للتعجيل فلم تكن المدة معقودا عليها ، فذكرها لا يمنع جواز العقد ، وإذا وقعت الإجارة على العمل فإن فرغ منه قبل تمام المدة أي اليوم فله كمال الأجر، وإن لم يفرغ منه في اليوم فعليه أن يعمله في الغد ، كما إذا دفع إلى خياط ثوبا ليقطعه ويخيطه قميصا على أن يفرغ منه في يومه هذا أو اكترى من رجل إبلا إلى مكة على أن يدخله إلى عشرين ليلة كل بعير بعشرة دنانير مثلا ولم يف به فله أجر مثله لا يزاد على ما شرطه ، ولأبي حنيفة أن المعقود عليه مجهول لأنه ذكر أمرين كل وحد منهما يجوز أن يكون معقودا عليه ، أعني العمل والمدة، أما العمل فظاهر ، وكذا ذكر المدة بدليل أنه لو استأجره يوما للخبازة من غير بيان قدر ما يخبز جاز وكان الجواب باعتبار أنه جعل المعقود عليه المنفعة ، والمنفعة مقدرة بالوقت ، ولا يمكن الجمع بينهما في كون كل واحد منهما معقودا عليه لأن حكمهما مختلف ، لأن العقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل ، لأنه يكون أجيرا خالصا ، والعقد على العمل يقتضي وجوب الأجر بالعمل ، لأنه يصير أجيرا مشتركا ، فكان المقعود عليه أحدهما ، وليس أحدهما بأولى من الآخر فكان مجهولا ، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد بخلاف تلك المسألة . انتهى
وقال المواق في التاج والإكليل وهو من كتب المالكية: ويوما أو خياطة ثوب مثلا وهل تفسد إن جمعهما وتساويا أو مطلقا خلاف ابن شاس : استصناع الآدمي يعرف إما بالزمان أو بمحل العمل كما لو استأجر الخياط مثلا يوما أو بخياطة ثوب معين فلو جمع بينهما وقال : استأجرك لتخيط هذا الثوب في هذا اليوم لم يصح . أهــ
وقال الشربيني في مغني المحتاج وهو من كتب الشافعية : (فلو جمعهما) أي الزمان والعمل ( فاستأجره ) أي شخصا ( ليخيطه ) أي الثوب ( بياض النهار لم يصح في الأصح ) للغرر ، فقد يتقدم العمل أو يتأخر كما لو أسلم في قفيز حنطة بشرط كون وزنه كذا لا يصح لاحتمال أن يزيد أو ينقص ، وبهذا اندفع ما قاله السبكي من أنه لو كان الثوب صغيرا يقطع بفراغه في اليوم فإنه يصح ، ومر أنه لو قصد التقدير بالعمل وذكر اليوم : أي شرطه للتعجيل فينبغي أن يصح ، والثاني : يصح إذ المدة مذكورة للتعجيل فلا تورث الفساد وهذا بحث السبكي . انتهى
وقال المرداوي في الإنصاف وهو من كتب الحنابلة : قوله ( ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل ، كقوله : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في هذا اليوم ) هذا المذهب ، وعليه الأصحاب ، وقدموه ، ويحتمل أن يصح ، وهو رواية كالجعالة على أصح الوجهين فيها . انتهى .
والله أعلم .