السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تؤاخذني في هذا السؤال .... فأنا أعلم جيدا بأن الله تعالى رءوف رحيم ويقبل التوبة ..... لكن هل من ترقص طول عمرها وتظهر مفاتنها للملأ، وغيرها تمثل وتفعل نفس الشيء وأكثر وأكثر وأكثر، وبعد ذلك تذهب للحج وتتوب – طبعا أنا عارفة جدا بأن ربنا يقبل التوبة إذا كانت صادقة والأعمال بالنيات –لكن أنا طول عمري متدينة وأعرف ربنا وأصلي وأعرف أصول ديني والحمد لله، وبعد ذلك تأتي هي لتكون مثلى - فكيف يمكن ذلك. يمكن يكون أسلوبي غير جيد ولكن أنا متأكدة أن سيادتكم تفهمون ما أقصده .......
لي صديقة حميمة غير متزوجة، ربنا يرزقها بالحلال – اعتمرت وأدت فريضة الحج وتزكي وتتصدق وتساعد يتامى وتقوم بأعمال خير في السر، وغيرها وغيرها – ولكنها تصرف على ملابسها بالهبل – يعنى مثلا يمكن أن تشترى كل أسبوع شبشب للبيت حسب لون ملابس البيت وأحذية بعدد شعر رأسها، ويكون نصفها مركونا لا يستخدم – وأشياء أخرى كثيرة يمكن أن تستخدمها ويمكن أن لا تستخدمها – تحت شعار " أنا ماحبش حاجة ناقصة لي " – هل هذا يعتبر بذخا تحاسب عليه في حين أنها تؤدى فرائض ربنا من زكاة وما أشبه ذلك ؟؟؟؟؟
وشــــكرا ،،،،،
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرحمة الله وسعت كل شيء، وقد وعد سبحانه التائبين بالمغفرة: فقال: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا {طه: 82} بل إنه سبحانه لفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات كما في قوله: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما {الفرقان: 70} وليس في ذلك ظلم لأحد كما قال: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا {الإسراء: 20}.
وأعمال بني آدم ليست ثمنا للجنة وإنما هي سبب لرضوان الله عليهم فيدخلهم جنته بفضله ورحمته: قال النووى في شرحه لصحيح مسلم: باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل ولا إياك يا رسول الله، قال ولا إياي إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سددوا.
فعملك كائنا ما كان لا يساوي شكر نعمة واحدة من نعم الله عليك، فإن أدخلك جنته فإنما ذلك بفضله ورحمته وإن أدخل التائب جنته ولو لم يعمل غير قليل فإنما ذلك بفضله ورحمته أيضا، واعلمي أن الناس في الجنة قد تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم كما في صحيح ابن حبان عن جابر أن معاذا لما حضرته الوفاة قال اكشفوا عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة، قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم دخل الجنة يريد به جنة دون جنة لأنها جنان كثيرة، فمن أتى بالإقرار الذي هو أعلى شعب الإيمان ولم يدرك العمل ثم مات أدخل الجنة، ومن أتى بعد الإقرار من الأعمال قل أو كثر أدخل الجنة جنة فوق تلك الجنة ،لأن من كثر عمله علت درجاته وارتفعت جنته لا أن الكل من المسلمين يدخلون جنة واحدة وإن تفاوتت أعمالهم وتباينت لأنها جنان كثيرة لا جنة واحدة
ولكن ننبهك أيتها السائلة الكريمة إلى أن التوبة من المعصية قد تورث ذلا وانكسارا فتكون خيرا مما قد يورثه العمل لدى بعض الناس من العجب. قال ابن القيم في مدارج السالكين: الوجه الخامس: أن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة، من كثير من الطاعات . وهذا معنى قول بعض السلف قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة . ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك ؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام، وإن قعد، وإن مشى ذكر ذنبه ، فيحدث له انكسارا، وتوبة، واستغفارا، وندما، فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة . فلا تزال نصب عينيه . إن قام وإن قعد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عجبا وكبرا ومنة . فتكون سبب هلاكه . فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، من خوف الله والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا، باكيا نادما، مستقيلا ربه . وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة، وكبرا، وازدراء بالناس، ورؤيتهم بعين الاحتقار . ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته، الصائل بها، المان بها وبحاله على الله عز وجل وعباده . وإن قال بلسانه خلاف ذلك . فالله شهيد على ما في قلبه .
وقال الغزالي في الإحياء: ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل، والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل.
قال المناوي في فيض القدير عن ابن عطاء الله ..رب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا . اهـ .قال المناوي: وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك.
ولمعرفة شروط التوبة الصحيحة انظري الفتوى رقم: 5450 ، وأما ما ذكرت عن تلك المرأة من الإسراف في اللباس والزينة فهو محرم، وقد بينا ضابط الإسراف وما يباح من الزينة وما لا يباح، وذلك في الفتويين: 1930، 1945.
والله أعلم.