السؤال
في مشاجرة لي مع زوجتي قالت لي كلمة معينة أغضبتني جدا وأثناء المشاجرة قالت لي إنها كانت تمزح لما قالت الكلمة هذه فأنا رددت عليها بأني قلت علي الطلاق أنت كنت تتكلمين بجد وليس مزاحا فبذلك أنا حلفت بالطلاق على شيء في نيتها لا أعلمه وبعدها قالت لي إنها فعلا كانت تمزح فما الحكم والكفارة على هذا الحلف وانا لا أدري فعلا كنت صادقا في الحلف أم لا؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحلفك بالطلاق صدر على أمر يخفى عليك، ولا يمكن معرفته إلا من طريق زوجتك، فإنك لا تدري بنيتها وهل هي جادة أم هازلة، وقد تكلم العلماء في مسألة تعليق الطلاق بأمر ماض لا يعلم أحصل أم لا ؟ واختلفوا فيه على أقوال.
والذي نرجحه هو الرجوع إلى نيتك أنت، فإن كنت حلفت بالطلاق على ما في علمك وظنك فلا يقع الطلاق، وإن كنت علقت الطلاق بحقيقة الأمر فيقع الطلاق، لأن حقيقة الأمر لا يمكن أن تعرف إلا من زوجتك، وقد أخبرتك أنها لم تكن جادة، فبان حلفك على خلاف الواقع، وعليه فإن كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيمكنك مراجعتها في العدة أو العقد عليها بعد العدة، وإن كانت هي الطلقة الثالثة لم تحل لك إلا بعد زواجها بزوج آخر، وعند المالكية قول: أن الطلاق يقع مطلقا لاحتمال كذبها.
وبعد أن اتضح الحكم نذكر لك بعض كلام أئمة الدين في هذه المسألة:
قال العلامة الدردير المالكي في الشرح الكبير: (وأمر) وجوبا وقيل ندبا (بالفراق) من غير جبر (في) تعليقه على ما لم يعلم صدقها فيه من عدمه؛ كقوله: أنت طالق أو حرة (إن كنت تحبيني) أو تحبي فراقي (أو تبغضيني)... (وهل) مجرد الأمر بلا جبر (مطلقا سواء أجابت بما يقتضي الحنث أم لا لاحتمال كذبها وهو الراجح). ومثله سكوتها (أو) الأمر من غير جبر إلا أن تجيب بما يقتضي الحنث فينجز عليه الطلاق جبرا وفي نسخة فيجبر، فإن أجابت بما لا يقتضيه أو سكتت فلا يجبر على هذا (تأويلان وفيها ما يدل لهما) وأما إن قال لها: أنت طالق إن كنت دخلت الدار، فإن قالت: لم أدخل لم يلزمه شيء إلا أن يتبين خلافه، وإن قالت: دخلت فإن صدقها جبر على الفراق بالقضاء، وإن كذبها أمر بفراقها من غير قضاء، وسواء فيهما رجعت لتصديقه أو تكذيبه أو لم ترجع.اهـ
وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: إذا حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له، كما لو حلف أن زيدا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم به، أو علم ونسي، فإن حلف أن الأمر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه، أي لم يعلم خلافه ولم يقصد أن الأمر كذلك في الحقيقة لم يحنث، لأنه إنما حلف على معتقده، وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر أو أطلق ففي الحنث قولان: رجح منهما ابن الصلاح وغيره الحنث، وصوبه الزركشي; لأنه غير معذور، إذ لا حث ولا منع بل تحقيق، فكان عليه أن يتثبت قبل الحلف بخلافه في التعليق بالمستقبل، ورجح الإسنوي وغيره أخذا من كلام أصل الروضة عدم الحنث، ورجح بعض المتأخرين أنه يحنث فيما إذا قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر وعدم الحنث عند الإطلاق، وهذا أوجه.اهـ
وقال الإمام البهوتي الحنبلي: (وإن قال إن كنت تحبين) زيدا (أو) إن كنت (تبغضين زيدا فأنت طالق، فأخبرته به طلقت وإن كذبت) لما تقدم. فإذا قال: أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة، واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه، فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده طلقت ولو أخبرت به ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق، ذكره في الشرح.اهـ
ثم إننا ننبهك إلى أن هذا النوع من المسائل ينبغي رفعه للمحاكم الشرعية فهي التي تستطيع أن تنظر فيه من جميع الأطراف وتستوضح عما وراء الألفاظ من قصد فلا ينبغي الاعتماد على مجرد فتوى.
والله أعلم.