شبهات وجوابها حول الاحتفال بالمولد النبوي

0 1308

السؤال

قرأت في موقع للمبتدعة التالي (يقول صاحب الفتوى في أسباب تحريمه للاحتفال بالمولد ما نصه: لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين والحقيقة أن الإمام الشافعي له رأي آخر بالموضوع, فهو يقول إن البدع على ضربين بدعة الهدى وبدعة الضلالة فما وافق الشرع كان من الهدى وما خالف الشرع كان من الضلال، ثانيا يقول صاحب الفتوى: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة ومن قال إن كل ما لم يفعله الرسول والصحابة صار محرما علينا فهذا يحيى بن يعمر التابعي الجليل رحمه الله وضع النقط على المصحف الشريف وقام المسلمون من بعده بوضع زيادات أخرى كالتشكيل وعلامات أحكام التجويد كالإدغام وغيره ومن ثم علامات الأحزاب وأنصافها ووصولا إلى وضع أرقام السور وغير ذلك، فهل يحرم صاحب الفتوى هذه النقط وبالتالي فهو يدعي أن كل هذه المصاحف التي بين أيدينا هي مليئة بأنواع البدع الضلالية، وهذه كتلك فلما صح وضع هذه النقط في المصاحف لأنها توافق الدين لا تخالفه صح أيضا أن نحتفل بالمولد النبوي الشريف أي بقراءة القرآن في ذلك اليوم والثناء بالمديح على الهادي محمد صلى الله عليه وسلم والتصدق على أهل الحاجات من المسلمين، أما حديث النبي: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، فقوله (ما ليس منه) معناه ما يخالفه أي من أحدث في ديننا ما يخالفه فهو رد وهذا يدلنا على أن من أحدث في الدين ما يوافقه فليس ردا والحمد لله، وأما قوله: "وكل بدعة ضلالة" فمعناه أغلب البدع تكون مخالفة للدين وليس المعنى الإطلاق، لا بل الله تعالى قال عن الريح التي أرسلت لعذاب بعض جماعات الكافرين (تدمر كل شيء) أي تدمر أغلب الأشياء لأنها لم تدمر على الحقيقة كل الأشياء إطلاقا، وهذا من اللغة العربية حيث أنها تسمح بإطلاق صفة الكل على البعض إذا غلب هذا البعض على الكل، ما الرد على ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاحتفال بالمولد النبوي لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل القرون التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فهو بدعة ضلالة، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6064، 1563، 62785.

وما ورد بهذا السؤال من شبهات نجيب عنه في النقاط التالية:

النقطة الأولى: أن أثر الشافعي هذا ذكره الحافظ أبو نعيم في الحلية من طريق حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام رمضان: نعمت البدعة هي.

وقد بين الحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم مراد الشافعي بهذا فقال: ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل أن أصل البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة يعني ما كان لها أصل من السنة ترجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعا لموافقتها السنة. انتهى.

فتبين أن مراد الشافعي بالبدعة المحمودة ما كان له أصل في الشرع وتسمية مثل هذا بدعة إنما هو من جهة اللغة لا من جهة الشرع، ومعلوم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس له أصل في الشرع، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 2741.

النقطة الثانية: أن قوله صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة. عام في كل ما أحدث في دين الله، وليس له أساس في الشرع، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقوله: كل بدعة ضلالة. قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها، أما منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، فلا تكون من الشرع، لأن الشرع كله هدى. انتهى.

وأما القول بأن هذا من العام المخصوص كقوله تعالى عن ريح عاد (تدمر كل شيء بأمر ربها) فإن كان المقصود كونه مخصوصا بالبدعة الشرعية بحيث تخرج البدعة اللغوية فمسلم، وذلك لأن كلمة بدعة معناها اللغوي ما أحدث على غير مثال سابق، فيدخل فيها كل ما كان كذلك ولو من أمور الدنيا، وأما ما أحدث في الدين على غير مثال سابق فهو ضلالة كله، وأما أن يقصد بذلك أن يخرج من الحديث ما أحدث في الدين وليس له أصل في الشرع، فلا يسمى بدعة ضلالة، فهذا يجعل وصف البدعة الضلالة وصفا غير منضبط، ولا يكون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة. معنى، فحق لعلماء الكلام وغيرهم أن ينسبوا ما أحدثوا من أقوال واعتقادات إلى دين الإسلام.

ولا ينكر عليهم من ذلك إلا ما خالف الدليل، وبالتالي تبطل القاعدة التي ذكرها أهل العلم (أن الأصل في العبادات التوقيف حتى يرد دليل على جوازها) وتنقلب إلى أن الأصل في العبادات الإباحة حتى يرد دليل على المنع، وهذا من أعظم الباطل.

ثم إن لازم أن تكون هنالك بدعة في الدين حسنة, أن لا يكون لإنكار الصحابة وغيرهم لبعض المحدثات في الدين معنى، ومن ذلك ما روى أبو داود والترمذي عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر، فئوب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا, فإن هذه بدعة. وهذا التئويب الذي أنكره فسره إسحاق بن راهوية كما نقل ذلك الترمذي عنه أنه قال: التئويب المكروه هو شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم، قال بين الأذان والإقامة قد قامت الصلاة، حي على الصلاة حي على الفلاح. انتهى.

وتراجع قصة ابن مسعود في إنكاره بعض البدع بالفتوى رقم: 58906، وهذا الذي أنكره هؤلاء الصحابة على قاعدة هؤلاء القوم في تعريف البدعة أن يكون بدعة حسنه لا بدعة ضلالة، ومن هنا يتبين أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. أي ما لم يكن عليه دليل شرعي، وأن مثل هذا مخالف للشرع لا موافقا له.

النقطة الثالثة: أن نقط المصحف وتشكيله ووضع العلامات عليه ونحو ذلك مما قد يعتبره بعض الناس بدعة واجبة أو مستحبة أو مباحة، ليس من باب البدع في شيء, وإنما هو من المصالح المرسلة. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8564، 55679، 16874.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة