السؤال
ذكرتم في الفتوى رقم (77059) بما معناه أنه يجب أن يمر الماء على الشفة أثناء الوضوء فمتى يجب غسل الشفة أثناء الوضوء أي هل يكون ذلك أثناء غسل الوجه أو أثناء المضمضة، وما هو الدليل على ذلك لأن ما أعرفه وما تعلمته طوال حياتي هو المضمضة وغسل الوجه ولم أسمع أو قرأت حديثا عن الرسول خص فيه غسل الشفتين بشيء في الوضوء!! وما حكم من لم يكن يخصهما بشيء فهل وضوءه باطل وبالتالي صلواته السابقة باطله، وماهي طريقة غسل الشفة بالتفصيل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من المعلوم أن ظاهر الشفتين من الوجه، وغسل الوجه واجب بالكتاب والسنة والإجماع، قال ابن قدامة في المغني: وغسل الوجه وهو من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين، ويتعاهد المفصل، وهو ما بين اللحية والأذن، وغسل الوجه واجب بالنص والإجماع. انتهى.
وقال خليل في مختصره في الفقه المالكي: فرائض الوضوء غسل ما بين الأذنين ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن وظاهر اللحية، فيغسل الوترة وأسارير جبهته وظاهر شفتيه. وفي التاج والإكليل عن ابن عرفة: يجب غسل ما تحت مارنه وأسارير جبهته وظاهر شفتيه وغائر جفنيه. انتهى.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في الغرر البهية في الفقه الشافعي عند كلامه على حد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء، قال: فدخل في الوجه الجبينان وهما جانبا الجبهة وما ظهر من أنفه، أو شفته بالقطع، والبياض الذي بين الأذن والعذار وهو الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن. انتهى.
وإذا علمنا أن الشفتين من جملة الوجه فإن غسلهما يكون مع غسله، ولا يطالب المتوضئ بأن يخصهما بغسل، بل الواجب أن يعمهما بالماء مع سائر الوجه -كما لا توجد طريقة خاصة لغسلهما غير طريقة غسل سائر الوجه- فلو أخذ من الماء وغسلهما به خاصة أثناء غسله للوجه أي قبل أن ينتقل إلى غسل اليدين فلا حرج عليه في ذلك، ولو شملهما مع الوجه أو بعضه بغرفة واحدة فلا حرج في ذلك أيضا. لكن إذا كان السائل يريد بقوله (لم يكن يخصهما بشيء) أي أنه لم يكن يغسلهما لا بصفة خاصة ولا بصفة عامة، فإن هذا الوضوء لا يصح، والصلاة به غير صحيحة عند الجمهور سواء كان يعلم وجوب غسلهما أم لا.
وعليه، فيجب على من لم يكن يغسل ظاهر شفتيه إعادة الصلوات التي كان يصليها بوضوء ناقص، فإن لم يدر عددها اجتهد وأعاد ما يغلب على ظنه أنه عددها، ولبيان كيفية قضاء فوائت الصلاة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 31107.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- إلى أن من ترك مثل هذا جاهلا بحكمه أنه تجب عليه إعادة صلاة الوقت والالتزام به في المستقبل، ولا تجب عليه إعادة ما مضى، واستدل على ذلك بأدلة كثيرة، فقال في مجموع الفتاوى: وأما من لم يعلم الوجوب فإذا علمه صلى صلاة الوقت وما بعدها ولا إعادة عليه؛ كما ثبت في الصحيحين أن النبي قال للأعرابي المسيء في صلاته: ارجع فصل فإنك لم تصل، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في صلاتي فعلمه، وقد أمره بإعادة صلاة الوقت ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلاة مع قوله لا أحسن غير هذا، وكذلك لم يأمر عمر وعمارا بقضاء الصلاة، وعمر لما أجنب لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة. ولم يأمر أبا ذر بما تركه من الصلاة وهو جنب، ولم يأمر المستحاضة أن تقضي ما تركت مع قولها: إني أستحاض حيضة شديدة منعتني الصوم والصلاة. انتهى.
والله أعلم.