0 328

السؤال

لقد سافرت لطلب الدراسة، وهربا بديني. وبعد أن سافرت وجدت نفسي وحيدا لا صديق ولا أنيس، تمر الأيام الطوال: أسبوع أسبوعان ولا حتى اتصال على الهاتف.
المجتمع غريب علي، الآن أكثر من سنة ونصف في الغربة، ولا صديق ولا أنيس، تعرفت على فتاة صينية (بوذية) ودخل الحب إلى قلبي وقلبها، وأوشكت أن أقع في الحرام. طلبت منها الإسلام والزواج؛ فرفضت الإسلام، وقبلت بالزواج.
تركتها عدة أشهر، فما كان إلا أن عاد لي الألم والوحدة. فكرت في أن الضرورات تبيح المحظورات، وعدت لها.
أشعر الآن بالذنب، فلا أريد الحرام ولا أريد الوحدة. فكرت في الرجوع إلى بلدي، لكن الأمر صعب، ففي بلدي (العربي) أهل السنة والجماعة ملاحقون. فقد اعتقل أخي بسبب أنه سلفي. أنا في وضع مشابه؛ لذلك سافرت طلبا للعلم، وحفاظا على ديني.
اتصلت بالوالدة وأخبرتها بأني أريد الزواج، فقالت لي: إنك ما زلت تدرس، وليس لك عمل. وإن وجدت لك فتاة تقبل بوضعك. كيف ستتم الخطبة والزواج وأنت لا تستطيع العودة إلى الوطن؟
بالله عليكم أفيدوني. لا أريد الاستمرار بالحرام. لا أريد الوحدة والألم أيضا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن نكاح الكافرات لا يجوز، إلا ما أباح الله من زواج الكتابيات، والبوذية من أقبح ملل الكفر الوثني، وأعظم من الزواج منها وأكبر إثما، إقامة علاقة غير مشروعة معها؛ إذ لا شبهة في تحريمها، ولا مدخل للضرورة فيها.

ثم إن المسلمين موجودون في كل مكان بالعالم، والحمد لله، وكذا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ممن أباح الله نكاحهم. فعليك بالبحث عن الحلال، وإتيان البيوت من أبوابها، كما أمر الله عز وجل بذلك، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء. -أي: وقاية- متفق عليه. 

فالسبيل المشروع لإحصان الفرج عن السوء، وإعفاف النفس عن الحرام إنما يكون بالزواج، فإن لم تكن ثم استطاعة، فيكون السبيل هو كثرة الصيام حتى تفتر الشهوة وتنكسر حدتها، وهذا هو العلاج الشرعي لما أنت فيه.

وإذا وجدت مسلمة تقبل بالزواج منك على وضعك الذي أنت فيه؛ فتزوج بها حفظا لدينك، ولا تجب عليك طاعة والدتك في عدم الزواج إذا كنت تخشى أن تقع في الحرام إذا لم تتزوج؛ إذ لا طاعة لمخلوق في ما يوقع في الحرام.

ونذكر السائل بأن أرض الله واسعة، فلا يجوز للمرء أن يظلم نفسه بارتكاب ما نهي عنه شرعا، وهو يستطيع أن يجد ملجأ يلجأ إليه، واسمع إلى قول الله تعالى: إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {النساء:97}.

وأما الوحدة والوحشة فيمكن معالجتهما بالإقبال على تلاوة القرآن وحفظه، ومطالعة كتب العلم، فكلما مللت من كتاب انتقلت إلى كتاب آخر، فتنتقل من بستان إلى بستان، ومن جنة إلى جنة، وكما قيل (خير جليس في الزمان كتاب).

واسمع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -كما يحدث عنه تلميذه ابن القيم في الوابل الصيب- وهو يقول: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. اهـ.

وقد ذكر القرطبي في كتابه بهجة المجالس: أن الجليس الصالح خير من الوحدة، وأن الوحدة خير من جليس السوء. اهـ.

 وننصحك بمراجعة الفتوى: 12744.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة