السؤال
لم أتمكن من الزواج لمدة 13 سنة (من عمر 18 سنة إلى الآن 31 سنة) بسبب عدم وجود القدرة المالية. وقد ارتكبت خلال هذه الفترة محرمات محدودة، مثل النظر إلى المحرمات، ولكنني لم أعتدِ على عرض أحدٍ أبدًا ولم أُجاهر بذلك أبدًا. وقد علمت بتوجيه الشريعة للاستعفاف لمن لا يجد الزواج، والوعد للمستعفف بتيسير الزواج في الآية الكريمة في سورة النور.
كما علمت بتوجيه السنة النبوية بلزوم الصوم الذي يكون وجاءً، والوجاء هو قطع الشهوة. يعني كان المفترض أن أصوم الصوم الذي يكون وجاءً لمدة 13 سنة. ما لا يتقبله عقلي هو هذه المدة الطويلة. كنت أتصور أن أصوم الصوم الذي يكون وجاءً (أي أقطع شهوتي) لمدة سنة، أو سنتين، أو ثلاث، أو حتى أربع، لكن لمدة 13 سنة! فما الحل لمشكلتي؟ وما معنى "فإنه له وجاء" بالتفصيل الكامل؟ وهل تأخير الزواج لي هو بسبب أنني لم أستعفف؟ فهل كان من الممكن أن أقصر المدة لو التزمت بالاستعفاف والصيام في البداية، كما يُفهم من الوعد في قوله تعالى: {حتى يغنيهم الله من فضله}؟ مع العلم أنني أعتبر نفسي من طبقة الظالم لنفسه على أقل تقدير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغنيك من فضله، وييسر لك الزواج، ويصرف عنك شر الفتن.
واعلم أنّ الزواج وغيره من الأرزاق، بيد الله تعالى، يسوقها إلى عباده في الوقت الذي قدّره وَفق حكمته وعلمه ورحمته.
فاستعن بالله، واجتهد في أسباب الكسب الحلال، وابحث عن زوجة صالحة تقدر على مؤنة زواجها، وإلى أن يتيسر لك ذلك؛ فالواجب عليك أن تصبر وتستعف، مهما طالت المدة، قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 33].
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجًا بالتعفف عن الحرام، كما قال -عليه الصلاة والسلام -: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء. انتهى.
وقال الخطابي -رحمه الله- في أعلام الحديث: والوجاء: أن تدق خصية التيس، أو الثور بين حجرين، فهو موجوء، يريد أن الصوم يقطع الشهوة، فيصير بمنزلة الوجاء للفحولة من البهائم، وقد يستدل به على جواز التعالج لقطع الشهوة، كتناول الكافور ونحوه من الأشياء. انتهى.
واعلم أنّ الصوم الذي يعين على العفة، هو الصوم الذي يحفظ فيه الشاب سمعه، وبصره عن الحرام.
ولا إشكال في الصوم لتخفيف الشهوة مهما طالت المدة؛ فالأمر بالصوم منوط بالقدرة، وهو ليس على الوجوب، ولكنّه على الندب.
جاء في إكمال المعلم بفوائد مسلم: والصوم المذكور هاهنا ليس بواجب. انتهى.
ومن صعب عليه الصوم، فللعفة أسباب كثيرة غير الصوم منها: البعد عن مواطن الفتن، واجتناب ما يثير الشهوة، وشغل الأوقات بالأعمال النافعة، والمحافظة على الرياضة البدنية، مع الاستعانة بالله -عزَّ وجلَّ- والاعتصام به، وأحسن ظنّك بربك، وأكثر من دعائه، فإنّه قريب مجيب. وراجع الفتوى: 23231.
والله أعلم.