السؤال
لي أخ كانت تقطن معه أمي وإخوتي بعد وفاة أبي رحمه الله وكان بارا بأمي جدا إلى أن تزوج وابتلاه الله بزوجة سليطة اللسان وكثيرة الفضول إلى درجة أنها أصبحت تتشاجر مع أمي ولو أثناء حضور أخي ولا ينبس بكلمة، فقرر خروج أمي من بيته فخرجت الآن وتركته وهو يبكي، فهل يعد عاقا، وهل من حق أمي أن تدعوه للتطليق.
جزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعين أخاك على القيام بحق والدته وزوجته ويوفقه للجمع بين الأمرين بطريقة صحيحة.
وأما سلاطة لسان زوجته وتهجمها على أمه فمنكر ولا يجوز له إقرارها والسكوت على اعتدائها على أمه لا سيما إذا كان ذلك بحضرته.
وأما سكنى زوجته وأمه معا فهو ممكن في حال التراضي والتوافق، وأما في حالة رفض الزوجة فيجب على الزوج أن يوفر لها مسكنا خاصا بها بملك أو إيجار، ولا تجبر على السكنى مع أمه، وللفقهاء تفاصيل في هذا الموضع أوردها أصحاب الموسوعة الفقهية فقالوا: يرى الفقهاء أن بيت الزوجية يراعى فيه ما يأتي:
أن يكون خاليا عن أهل الزوج، سوى طفله غير المميز ; لأن المرأة تتضرر بمشاركة غيرها في بيت الزوجية الخاص بها، ولا تأمن على متاعها، ويمنعها ذلك من معاشرة زوجها، وهذا بالنسبة إلى بيت الزوجية متفق عليه بين الفقهاء.
أما سكنى أقارب الزوج أو زوجاته الأخريات في الدار التي فيها بيت الزوجية، إذا لم ترض بسكناهم معها فيها
فقد قال الحنفية: إنه إذا كان لها بيت منفرد في الدار له غلق ومرافق خاصة كفاها، ومقتضاه أنه ليس لها الاعتراض حينئذ على سكنى أقاربه في بقية الدار، إن لم يكن أحد منهم يؤذيها.
وقالوا أيضا: له أن يسكن ضرتها حينئذ في الدار ما لم تكن المرافق مشتركة ; لأن هذا سبب للتخاصم.
ومثله في الجملة مذهب الشافعية.
وفي قول عند بعض الحنفية ارتضاه ابن عابدين: أنه يفرق بين الشريفة والوضيعة، ففي الشريفة ذات اليسار لا بد من إفرادها في دار، ومتوسطة الحال يكفيها بيت واحد من دار.
وبنحو هذا قال المالكية على تفصيل ذكروه، كما نص عليه صاحب الشرح الكبير، قال: للزوجة الامتناع من أن تسكن مع أقارب الزوج كأبويه في دار واحدة ; لما فيه من الضرر عليها باطلاعهم على حالها، إلا الوضيعة فليس لها الامتناع من السكنى معهم، وكذا الشريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم. ومحل ذلك فيما لم يطلعوا على عوراتها. اهـ.
وعليه.. فلو أخرج الرجل أمه من المسكن الذي فيه زوجته إلى مسكن آخر دفعا للفتنة وحفظا لها من سوء معاملة زوجته فليس ذلك عقوقا بل هو بر وحسن رعاية. وعليه أن يبر أمه بقدر طاقته ويستسمحها إن كانت قد ظنت أن في ذلك إساءة لها، ويبين لها الحكم الشرعي في المسألة لعلها ترضى عنه إن علمت عذره، وليس من حق الأم أن تأمر ولدها بتطليق زوجته لغير مسوغ لذلك، وليس من المسوغات لذلك ما إذا طلبت من زوجها أن يؤدي لها حقوقها من مسكن وغيره، وتراجع الفتوى رقم:14810، والفتوى رقم: 1549 ، والفتوى رقم: 3651.
والله أعلم.