قوله تعالى :
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير [ ص: 266 ] قوله تعالى : ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبينات ، وبين أن مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا قادرا على الكمال ؛ فله بعثة الرسل ، وقد بعثهم وأيدهم بالمعجزات ، وأخبروا بالجنة والنار . والخطاب في ( ألم تر ) للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعناه : ألم تعلم ؛ والمراد الكل .
أن الله يسبح له من في السماوات من الملائكة . والأرض من الجن والإنس .
والطير صافات قال
مجاهد ، وغيره : الصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سواه من الخلق . وقال
سفيان : للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود . وقيل : إن ضربها بأجنحتها صلاة ، وإن أصواتها تسبيح ؛ حكاه
النقاش . وقيل : التسبيح هاهنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة . ومعنى صافات مصطفات الأجنحة في الهواء . وقرأ الجماعة ( والطير ) بالرفع عطفا على من . وقال
الزجاج : ويجوز ( والطير ) بمعنى مع الطير . قال
النحاس : وسمعته يخبر - قمت وزيدا - بمعنى مع زيد . قال : وهو أجود من الرفع . قال : فإن قلت قمت أنا وزيد ، كان الأجود الرفع ، ويجوز النصب .
كل قد علم صلاته وتسبيحه يجوز أن يكون المعنى : كل قد علم الله صلاته وتسبيحه ؛ أي علم صلاة المصلي وتسبيح المسبح . ومن هذه الجهة يجوز نصب ( كل ) عند البصريين والكوفيين بإضمار فعل يفسره ما بعده . وقد قيل : المعنى قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه . وقرأ بعض الناس (
كل قد علم صلاته وتسبيحه ) غير مسمى الفاعل . وذكر بعض النحويين أن بعضهم قرأ (
كل قد علم صلاته وتسبيحه ) ؛ فيجوز أن يكون تقديره : كل قد علمه الله صلاته وتسبيحه . ويجوز أن يكون المعنى : كل قد علم غيره صلاته وتسبيحه أي صلاة نفسه ؛ فيكون التعليم الذي هو الإفهام والمراد الخصوص ؛ لأن من الناس من لم يعلم . ويجوز أن يكون المعنى كل قد استدل منه المستدل ، فعبر عن الاستدلال بالتعليم قاله
المهدوي . والصلاة هنا بمعنى التسبيح ، وكرر تأكيدا ؛ كقوله : ( يعلم السر والنجوى ) . والصلاة قد تسمى تسبيحا ؛ قاله
القشيري .
ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير تقدم في غير موضع .