القول في تأويل قوله تعالى : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( 11 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر ، وذلك فيما عليهم مضرة في نفس أو مال (
استعجالهم بالخير ) ، يقول : كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به (
لقضي إليهم أجلهم ) ، يقول : لهلكوا ، وعجل لهم الموت ، وهو الأجل .
وعنى بقوله : ( لقضي ) ، لفرغ إليهم من أجلهم ، ونبذ إليهم ، كما قال
أبو ذؤيب :
[ ص: 34 ] وعليهما مسرودتان قضاهما داود ، أو صنع السوابغ تبع
(
فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) ، يقول :
فندع الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور ، (
في طغيانهم ) ، يقول : في تمردهم وعتوهم ، ( يعمهون ) يعني : يترددون .
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم ، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشر لو استجاب لهم ، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم ، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17572 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان إذا غضب لولده وماله : " لا بارك الله فيه ولعنه " !
17573 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " !
[ ص: 35 ] فلو يعجل الله الاستجابة لهم في ذلك ، كما يستجاب في الخير لأهلكهم .
17574 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله عن
ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " (
لقضي إليهم أجلهم ) قال : لأهلك من دعا عليه ولأماته .
17575 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد قوله : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ! قال الله : (
لقضي إليهم أجلهم ) ، قال : لأهلك من دعا عليه ولأماته . قال : (
فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) ، قال يقول : لا نهلك أهل الشرك ، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون .
17576 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور عن
معمر عن
قتادة قوله : (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له .
17577 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
لقضي إليهم أجلهم ) ، قال : لأهلكناهم . وقرأ : (
ما ترك على ظهرها من دابة ) ، [ سورة فاطر : 45 ] . قال : يهلكهم كلهم .
ونصب قوله : ( استعجالهم ) ، بوقوع ( يعجل ) عليه ، كقول القائل : " قمت اليوم قيامك " بمعنى : قمت كقيامك ، وليس بمصدر من ( يعجل ) ، لأنه لو كان مصدرا لم يحسن دخول " الكاف " أعني كاف التشبيه فيه .
[ ص: 36 ]
واختلفت القرأة في قراءة قوله : (
لقضي إليهم أجلهم ) .
فقرأ ذلك عامة قراء
الحجاز والعراق : (
لقضي إليهم أجلهم ) ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بضم القاف من " قضي " ورفع " الأجل " .
وقرأ عامة
أهل الشام : ( لقضى إليهم أجلهم ) ، بمعنى : لقضى الله إليهم أجلهم .
قال
أبو جعفر : وهما قراءتان متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسم فاعله ، لأن عليه أكثر القراء .