القول في تأويل قوله تعالى : (
وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ( 81 )
وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ( 82 ) )
اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : ( وما أنت بهادي ) بالياء والألف وإضافته إلى العمي بمعنى : لست يا
محمد بهادي من عمي عن الحق (
عن ضلالتهم ) . وقراءة عامة قراء
الكوفة " وما أنت تهدي العمي " بالتاء ونصب العمي ، بمعنى : ولست تهديهم (
عن ضلالتهم ) ولكن الله يهديهم إن شاء .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام ما وصفت ( وما أنت ) يا
محمد ( بهادي ) من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد . وقوله : (
إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا )
[ ص: 496 ] يقول : ما تقدر أن تفهم الحق وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدق بآياتنا ، يعني بأدلته وحججه وآي تنزيله ( فهم مسلمون ) فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه ، ويفكرون فيه ، ويعملون به ، فهم الذين يسمعون .
ذكر من قال مثل الذي قلنا في قوله تعالى : ( وقع )
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وإذا وقع القول عليهم ) قال : حق عليهم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وإذا وقع القول عليهم ) يقول : إذا وجب القول عليهم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
وقع القول عليهم ) قال : حق العذاب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : القول : العذاب .
ذكر من قال قولنا في معنى القول :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
وإذا وقع القول عليهم ) والقول : الغضب .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
هشام ، عن
حفصة ، قالت : سألت
أبا العالية ، عن قوله : (
وإذا وقع القول عليهم ) فقال : أوحى الله إلى
نوح (
أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) قالت : فكأنما كان على وجهي غطاء فكشف .
وقال جماعة من أهل العلم : خروج هذه الدابة التي ذكرها حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
الأشجعي ، عن
سفيان ، عن
عمرو بن قيس ، عن
عطية العوفي ، عن
ابن عمر في قوله : (
وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض ) قال : هو حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
محمد بن الحسن أبو الحسن ، قال : ثنا
عمرو [ ص: 497 ] بن قيس الملائي ، عن
عطية ، عن
ابن عمر ، في قوله : (
وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض ) قال : ذاك إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
سفيان ، عن
عمرو بن قيس ، عن
عطية ، عن
ابن عمر ، في قوله : (
أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) قال : حين لا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر .
حدثني
محمد بن عمرو المقدسي ، قال : ثنا
أشعث بن عبد الله السجستاني ، قال : ثنا
شعبة ، عن
عطية ، في قوله : (
وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) قال : إذا لم يعرفوا معروفا ، ولم ينكروا منكرا .
وذكر أن الأرض التي تخرج منها الدابة
مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثني
الأشجعي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
عطية ، عن
ابن عمر ، قال : تخرج الدابة من صدع في
الصفا ، كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
الحكم بن بشير ، قال : ثنا
عمرو بن قيس ، عن
الفرات القزاز ، عن
عامر بن واثلة أبي الطفيل ، عن
حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : إن الدابة حين تخرج يراها بعض الناس فيقولون : والله لقد رأينا الدابة ، حتى يبلغ ذلك الإمام ، فيطلب فلا يقدر على شيء . قال : ثم تخرج فيراها الناس ، فيقولون : والله لقد رأيناها ، فيبلغ ذلك الإمام فيطلب فلا يرى شيئا ، فيقول : أما إني إذا حدث الذي يذكرها قال : حتى يعد فيها القتل ، قال : فتخرج ، فإذا رآها الناس دخلوا المسجد يصلون ، فتجيء إليهم فتقول : الآن تصلون ، فتخطم الكافر ، وتمسح على جبين المسلم غرة ، قال : فيعيش الناس زمانا يقول هذا : يا مؤمن ، وهذا : يا كافر .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
عثمان بن مطر ، عن
واصل مولى أبي عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، عن
حذيفة ، وأبي
سفيان ، ثنا عن
معمر ، عن
قيس بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، عن
حذيفة بن أسيد ، في قوله : (
أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) قال : للدابة ثلاث خرجات : خرجة في بعض البوادي ثم تكمن ، وخرجة في بعض القرى حين يهريق فيها الأمراء الدماء ، ثم تكمن ، فبينا الناس عند أشرف المساجد وأعظمها وأفضلها ، إذ ارتفعت بهم الأرض ، فانطلق الناس هرابا ، وتبقى طائفة من
[ ص: 498 ] المؤمنين ، ويقولون : إنه لا ينجينا من الله شيء ، فتخرج عليهم الدابة تجلو وجوههم مثل الكوكب الدري ، ثم تنطلق فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وتأتي الرجل يصلي ، فتقول : والله ما كنت من أهل الصلاة ، فيلتفت إليها فتخطمه ، قال : تجلو وجه المؤمن ، وتخطم الكافر ، قلنا : فما الناس يومئذ ؟ قال : جيران في الرباع ، وشركاء في الأموال ، وأصحاب في الأسفار .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
ابن فضيل ، عن
الوليد بن جميع ، عن
عبد الملك بن المغيرة ، عن
عبد الرحمن بن البيلماني ، عن
ابن عمر : يبيت الناس يسيرون إلى جمع ، وتبيت دابة الأرض تسايرهم ، فيصبحون وقد خطمتهم من رأسها وذنبها ، فما من مؤمن إلا مسحته ، ولا من كافر ولا منافق إلا تخبطه .
حدثنا
مجاهد بن موسى ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
الخيبري ، عن
حيان بن عمير ، عن
حسان بن حمصة ، قال : سمعت
عبد الله بن عمرو يقول : لو شئت لانتعلت بنعلي هاتين ، فلم أمس الأرض قاعدا حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج ، قال : فما حججت قط إلا خفت تخرج بعقبنا .
حدثنا
عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
هشام ، عن
قيس بن سعد ، عن
عطاء ، قال : رأيت
عبد الله بن عمرو ، وكان منزله قريبا من
الصفا ، رفع قدمه وهو قائم ، وقال : لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة .
حدثنا
عصام بن رواد بن الجراح ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري ، قال :
ثنا منصور بن المعتمر ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن حراش ، قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وذكر الدابة ، فقال حذيفة : قلت يا رسول الله ، من أين تخرج ؟ قال : " من أعظم المساجد حرمة على الله ، بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون ، إذ تضطرب الأرض تحتهم ، تحرك القنديل ، وينشق الصفا مما يلي المسعى ، وتخرج الدابة من الصفا ، أول ما يبدو رأسها ، ملمعة ذات وبر وريش ، لم يدركها طالب ، ولن يفوتها هارب ، تسم الناس مؤمن وكافر ، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري ، وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء كافر " . [ ص: 499 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا أبو
الحسين ، عن
حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
أوس بن خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810872 " تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتختم أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل البيت ليجتمعون فيقول هذا . يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " .
قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا أبو
سفيان ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : هي دابة ذات زغب وريش ، ولها أربع قوائم تخرج من بعض أودية
تهامة ، قال : قال
عبد الله بن عمر : إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء ، فتفشو في وجهه ، فيسود وجهه ، وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجهه ، حتى يبيض وجهه ، فيجلس أهل البيت على المائدة ، فيعرفون المؤمن من الكافر ، ويتبايعون في الأسواق ، فيعرفون المؤمن من الكافر .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12613ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا
ابن أبي مريم ، قال : ثنا
ابن لهيعة nindex.php?page=showalam&ids=14810ويحيى بن أيوب ، قالا : ثنا
ابن الهاد ، عن
عمر بن الحكم ، أنه سمع
عبد الله بن عمرو يقول : تخرج الدابة من شعب ، فيمس رأسها السحاب ، ورجلاها في الأرض ما خرجتا ، فتمر بالإنسان يصلي ، فتقول : ما الصلاة من حاجتك فتخطمه .
حدثنا
صالح بن مسمار ، قال : ثنا
ابن أبي فديك ، قال : ثنا
يزيد بن عياض ، عن
محمد بن إسحاق ، أنه بلغه عن
عبد الله بن عمرو ، قال : تخرج دابة الأرض ومعها خاتم
سليمان وعصا
موسى ، فأما الكافر فتختم بين عينيه بخاتم
سليمان ، وأما المؤمن فتمسح وجهه بعصا
موسى فيبيض .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( تكلمهم ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : ( تكلمهم ) بضم التاء وتشديد اللام ، بمعنى تخبرهم وتحدثهم ، وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=12007أبو زرعة بن عمرو : " تكلمهم " بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى : تسمهم .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك ما عليه قراء الأمصار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) قال : تحدثهم .
[ ص: 500 ]
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) وهي في بعض القراءة " تحدثهم " تقول لهم : (
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس ، في قوله : ( تكلمهم ) قال : كلامها تنبئهم (
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) .
وقوله : (
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الحجاز والبصرة والشام : " إن الناس " بكسر الألف من " إن " على وجه الابتداء بالخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون ; وهي وإن كسرت في قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة وبعض
أهل البصرة : ( أن الناس كانوا ) بفتح أن بمعنى : تكلمهم بأن الناس ، فيكون حينئذ نصب بوقوع الكلام عليها .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضتان في قراءة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .