فصل
وأما سنن الوضوء ، فكثيرة :
إحداها :
السواك . وهو :
سنة مطلقا ،
ولا يكره إلا بعد الزوال لصائم . وفي غير هذه الحالة مستحب في كل وقت . ويتأكد استحبابه في أحوال
عند الصلاة وإن لم يكن متغير الفم ،
وعند الوضوء وإن لم يصل ،
وعند قراءة القرآن ،
وعند اصفرار الأسنان وإن لم يتغير الفم ،
وعند تغير الفم بنوم ، أو
طول سكوت ، أو
ترك أكل ، أو
أكل ما له رائحة كريهة ، أو غير ذلك .
ويحصل السواك بخرقة ، وكل خشن مزيل ، لكن العود أولى ، والأراك منه أولى ، والأفضل أن يكون بيابس ندي بالماء ، ولا يحصل بأصبع خشنة على أصح الأوجه . والثالث : يحصل عند عدم العود ، ونحوه .
ويستحب أن يستاك عرضا .
قلت : كره جماعة من أصحابنا الاستياك طولا . ولنا قول غريب : أنه لا يكره
[ ص: 57 ] السواك لصائم بعد الزوال .
ويستحب أن يبدأ بجانب فمه الأيمن ، وأن يعود الصبي السواك ليألفه .
ولا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذنه . ويستحب أن يمر السواك على سقف حلقه إمرارا لطيفا ، وعلى كراسي أضراسه . وينوي بالسواك السنة .
ويسن السواك أيضا عند دخوله بيته ،
واستيقاظه من نومه ، للحديث الصحيح فيهما . والله أعلم .
والثانية : أن
يقول في ابتداء وضوئه : بسم الله ، فلو نسيها في الابتداء ، أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ ، كما في الطعام . فإن تركها عمدا . فهل يشرع التدارك ؟ فيه احتمال .
قلت : قول
الإمام الرافعي فيه احتمال عجيب ، فقد صرح أصحابنا بأنه يتدارك في العمد ، وممن صرح به
المحاملي في ( المجموع )
والجرجاني في ( التحرير ) وغيرهما ، وقد أوضحته في ( شرح المهذب ) قال أصحابنا : ويستحب التسمية في ابتداء كل أمر ذي بال من العبادات وغيرها حتى عند الجماع . والله أعلم .
[ ص: 58 ] الثالثة :
غسل الكفين قبل الوجه . سواء قام من النوم وشك في نجاسة اليد وأراد غمس يده في الإناء ، أم لم يكن شيء من ذلك ، لكن إن أراد غمس يديه في إناء قبل غسلهما ، كره إن لم يتيقن طهارتهما . فإن تيقنها ، فوجهان . الأصح لا يكره الغمس .
قلت : ولا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثا قبل الغمس . نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي ، وصرح به الأصحاب للحديث الصحيح . وقال أصحابنا : إذا كان الماء في إناء كبير ، أو صخرة مجوفة ، بحيث لا يمكن أن يصب منه على يده ، وليس معه ما يغترف به ، استعان بغيره ، أو أخذ الماء بفمه ، أو طرف ثوب نظيف ونحوه . والله أعلم .
الرابعة :
المضمضة ، والاستنشاق ، ثم أصل هذه السنة يحصل بوصول الماء إلى الفم ، والأنف . سواء كان بغرفة ، أو أكثر . وفي الأفضل طريقان . الصحيح : أن فيه قولين : أظهرهما : الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل . والثاني : الجمع بينهما أفضل ، والطريق الثاني : الفصل أفضل قطعا . وفي كيفيته وجهان . أصحهما : يتمضمض من غرفة ثلاثا ، ويستنشق من أخرى ثلاثا . والثاني : بست غرفات ، وتقديم المضمضة على الاستنشاق شرط على الأصح . وقيل : مستحب .
[ ص: 59 ] وفي كيفية الجمع وجهان ، الأصح : بثلاث غرفات ، يتمضمض من كل غرفة ، ويستنشق . والثاني : بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ، ثم يستنشق منها ثلاثا ، وقيل : بل يتمضمض منها ثم يستنشق مرة ، ثم كذلك ثانية وثالثة .
قلت : المذهب من هذا الخلاف ، أن الجمع بثلاث أفضل ، كذا قاله جماعة من المحققين ، والأحاديث الصحيحة مصرحة به وقد أوضحته في ( شرح المهذب ) . والله أعلم .
الخامسة :
المبالغة في المضمضة والاستنشاق ، فيبلغ ماء المضمضة أقصى الحنك ، ووجهي الأسنان ، وتمر الأصبع عليها ، ويصعد ماء الاستنشاق بنفسه إلى الخيشوم مع إدخال الإصبع اليسرى ، وإزالة ما هناك من أذى . فإن كان صائما لم يبالغ فيهما .
قلت : ولو جعل الماء في فيه ولم يدره ، حصلت المضمضة على الصحيح . والله أعلم .
السادسة :
التكرار ثلاثا في المغسول والممسوح المفروض والمسنون ، ولنا قول شاذ : أنه لا يكرر مسح الرأس ، ووجه أشذ منه : أنه لا يكرره ، ولا مسح الأذنين . ولو شك هل غسل ولا مسح مرة ، أو مرتين ، أم ثلاثا ؟ أخذ بالأقل على الصحيح ، وقيل : بالأكثر .
قلت : تكره الزيادة على ثلاث ، وقيل : تحرم ، وقيل : هي خلاف الأولى ، والصحيح : الأول ، وإنما تجب الغسلة مرة ، وإذا استوعبت العضو . والله أعلم .