الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدب : دواء وترويح

الأدب : دواء وترويح

الأدب : دواء وترويح

في عالم متسارع ومتغير، تُعدّ قوة الأدب قوة نادرة، وثمينة، ومهمة في طمأنة النفس، وتكوين وتشكيل الشخصية العربية، والشبابية، وذلك لميول الإنسان الفطري للأدب، وارتباطه الوجداني به، ومعلوم أن الأدب ليس مجرد كلمات تُكتب، أو قصص تُروى؛ بل هو مزيج من المشاعر، والأفكار التي تعكس واقعنا، وتجسّد تجاربنا الإنسانية، وترفدنا بفكر مستنير نستشرف به المستقبل.

وفي هذا السياق، يبرز دور الأدب كنوع من العلاج، حيث يمكن اعتباره "طبًا واقيًا" و"طبًا شافيًا" للنفوس، كما يدعو أرباب الرعاية الصحية، ويؤكدون أن الطب الوقائي يستحق الأولوية على الطب الشفائي، فأهل الأدب أيضاً يقولون باحتياج النفوس إلى الأدب؛ كترياق مضاد لاكتئاب النفوس، وسآمة المزاج، والأدب عندهم يغذي الأرواح، ويكون حادياً للنفوس إلى القيم العليا، والمبادئ السامية.

والأديب يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في توجيه المجتمع وإثراء العقول، وفي سبيل ذلك يجد الكثير من الأدباء أنفسهم في دوامة من الضياع، حيث تسيطر عليهم تيارات أدبية غريبة تنحرف عن القيم الأساسية، وتنحط بهم في مستنقع العهر؛ بدعوى الواقعية، والأدب المكشوف، والحقيقة أن الأدب الذي ينزلق إلى الميوعة، والسطحية، يفقد قدرته على التأثير، ويصبح أدباً غرائزياً، بهيمياً، يفسد الأذواق، وينحدر برواده، ويصبح مدعي الأدب، كمن يكتب في الهواء دون أن يترك أثراً، هذا إذا لم يكن معول هدم، وخراب للقيم التي ما قام الأدب إلا من أجل تزيينها، وصيانتها، وتقديمها للناس.

وقديما قيل في الأدب: " يتأدب به الأديب من الناس؛ لأنه يأدِب الناس إلى المحامد، وينهاهم عن القبائح".
الأدب مرآة تعكس واقع المجتمع، وليس مجرد هروب من الحقائق؛ لذا فإن الأديب الذي يتجاهل واقع الناس ويعيش في عالم من الخيال يفقد جوهر مهمته، فعبقرية الأدب تظهر في قدرته على التعبير عن الألم، والفقدان، والأمل، مما يسهم في شفاء النفوس، وتعزيز الروح ومدها بالعزيمة، والمضاء، لذا يجب على الأديب أن يكون جريئًا في طرح قضايا مجتمعه، وأن يسعى إلى تسليط الضوء على المعاناة، والأحلام، حتى يتمكن من توجيه المجتمع نحو التغيير والتحسين.

الأدب الجاد الملتزم يكون بمثابة روح الأمة، يعكس أفكارها وتطلعاتها، ويشكل هويتها الثقافية، ومن هنا، فإن الأديب يتحمل مسؤولية كبيرة في تقديم رؤية حقيقية لمجتمعه، حيث يجب أن يكون صادقاً في تصوير الواقع بمختلف جوانبه، فالأدب الذي يعبر عن جراح الناس، وآمالهم، ويصوب سَيْرَهم، وينمي فيهم القيم السمحة، والأخلاق الفاضلة، هو أدب يستحق الاحترام، وهو الذي يترك أثراً في نفوس متذوقي الأدب.

وفي هذا الإطار نجد أن دور الأدب يتمدد ويتسع حتى يسهم في مكافحة الجهل والتخلف، ويقوم بدور الحارس الأمين للفضيلة، والقيم المجتمعية، كما أن السياسيين يكافحون الجوع ويعملون على بناء الأجساد، سواء بسواء.
يقول المرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس عن الأدب: "مَلَكة تعصم من قامت به عما يشينه".
الأدب يعزز التفكير النقدي، ويشجع على التساؤل، ويسهم في بناء مجتمع واعٍ ومتعلم.

الأدب ليس مجرد فن، بل هو علم وثقافة، وبالتالي فمن أوجب واجبات الأديب أن يتحلى بالمعرفة، والثقافة، وأن يسعى دائماً لتحسين ذاته وتطوير مهاراته، فالأديب المتمكن هو من يستطيع أن يترك أثرًا حقيقيًا في نفوس قرائه، ويحفزهم على التفكير، والتأمل.

والأدب عندما يُمارَس بشكل صحيح، يمكن أن يكون بلسماً للنفوس، وعلاجاً لمشاكل المجتمع من خلال الوعي، والتفكير، وربط الناس بالقيم، وتحبيب الالتزام إليهم، يبث فيهم روح الفتوة، والتضحية، والفضائل.

ويجب أن ندرك أن الأدب هو أكثر من مجرد تعبير عن الذات؛ إنه مسؤولية عظيمة، يجب على الأديب أن يكون صوت من لا صوت لهم، وأن يسعى لتوجيه المجتمع نحو ما هو مفيد ومثمر، وأن يسهم في توحيد كلمة الناس، ولفت انتباههم إلى القضايا الكبرى، التي يكون بها صون كرامة الأمة، وتعزيز ترابط المجتمع، وعندما يجسد الأدب التحديات، والصراعات التي تواجهها الأمة، يتحول إلى أداة فعالة للتغيير.

خلاصة القول: يبقى الأدب أحد أسلحة الأمة التي بها تواجه وتحارب التحديات، وتغالب بها الصعاب، فلنجعل من الأدب أداة نواجه به الجهل، ونبني به مستقبلًا مشرقًا، إن رحلة الأدب ليست مجرد رحلة شخصية للأديب، بل هي رحلة جماعية نحو الشفاء، والفهم، نحو عالم أفضل يمتزج فيه الواقع بالخيال، فلنستمر في الكتابة، ولنستمر في القراءة؛ لأن في كل كلمة رشيقة أديبة تُذكر بالقيم، وتدعو للسمو، نشرها يوجد شفاء للنفس، وتوجيه للعقل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

ثقافة المرأة.. بوابة النهضة

في عالم يتسارع فيه التقدم وتتصارع فيه القيم، تبقى المرأة هي الركيزة الأساس لأي نهضة حقيقية تسعى إليها المجتمعات....المزيد