الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الشكوك وسوء الظن؟

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً.

أنا فتاة بعمر 19 سنة، مشاكلي هي:-

1- أشك في أي شيء وفي أي شخص، حتى في نفسي وأهلي، قد تستغربون من طريقة تفكيري، لكني أحياناً أتصور أن أمي تكرهني، وأن أختي تغار مني، المشكلة أني أصدق هذه الأفكار، وفي نفس الوقت أعلم أنها أفكار خاطئة، صارحت أمي بهذه الأفكار فطلبت مني أن أطرد هذه الأفكار من رأسي، وقالت لي: من المستحيل أن تكره الأم أبناءها مهما حصل، وقالت لي أيضاً: إنني أتصرف تصرفات تشعر من حولي بأني متكبرة، مع أني لم ألاحظ ذلك أبداً، بل إني أحاول دائماً أن أكون متواضعة، وأخاف من النقد كثيراً، أتصور أن الناس يحقدون علي ويريدون فشلي، مثلاً: تنصحني فتاة بعدم ارتداء شيء معين، لأنها تراه لا يليق علي، فأحس أنها تغار مني ولا أهتم لكلامها.

2- أتصور أن كل الناس مشغولة بي، وتتكلم عني في أي مكان أذهب إليه، دائماً أستغرق فترات طويلة في تفسير تصرفات الغير، وأحياناً أتصور أن هناك من يراقبني، مثلاً: أكون في الغرفة وأترك النافذة مفتوحة، فأتخيل أن شخصاً يراقبني من النافذة، أحياناً أكون جالسة فأجد أشخاصاً يتكلمون، فأتصور أنهم يتكلمون عني، حتى إذا تكلموا بسوء عن الشخص الذي يتحدثون عنه أتصوره موجهاً إلي، وأبدأ في انتقاد نفسي وشكلي، مع أني و-الحمد لله- جميلة.

3- لا أثق في نفسي أبداً، فمثلاً أحتاج دائماً إلى أن يقول لي من حولي: أنت موهوبة، أو أنت جميلة، حتى أثق في نفسي، ولكن هذه الثقة تزول بسرعة، أحياناً أشعر أني أجمل فتاة في المنطقة التي أسكن فيها، وأحيانأ أخرى أشعر أنني لست جميلة أبداً، فأصاب بالإحباط حاولت أن أغير هذا التفكير لكني لم أستطع؛ لأن شيئاً في داخلي يمنعني ويأمرني بالتفكير.

4- عند الوضوء أشك أني لم أوصل الماء إلى شعري، فأضطر إلى إعادة الوضوء، وقد أشك في المرة الثانية أيضاً.

5- الناس يقولون عني بأني حساسة، وأغضب بسرعة وانطوائية بعض الشيء.

6- إذا خاطبني شخص بقسوة -حتى إذا لم أكن أعرفه- أشعر بالحزن الشديد، وأحياناً أبكي.

7- لا أستطيع الاعتماد على نفسي في شيء، بل أعتمد على الآخرين، وإذا خرجت إلى السوق مع أمي، أطلب منها أن تتحدث مع صاحب المحل؛ لأني لا أستطيع ذلك، لأني أصاب بخوف شديد، وسرعة في ضربات القلب.

8- لا أجيد التعامل مع معظم الرجال، إلا مع رجال اعتدت عليهم مثل أخي ومحارمي، وحين أخاطب الرجال أشعر بخوف شديد، ويتلعثم لساني فأتجنب التحدت معهم، علماً بأني أدرس في جامعة مختلطة، وأخاف النظر في أعين الناس.

9- خجولة جداً، حتى من أقرب الناس إلي، ودائماً أعاتب نفسي على تصرفاتي، وعندما أخلد إلى النوم أسترجع ما حدث لي في هذه الليلة، فإذا وجدت أني تصرفت بحماقة ألوم نفسي كثيراً، وأصاب بخيبة أمل شديدة، وأحس بالغثيان، وعدم الرغبة في الأكل.

10- إذا ذكر شخص محاسني، وذكر عيباً واحداً فيَّ، أتناسى جميع الإيجابيات، وأفكر فقط في السلبيات.

11- أصبحت أكره الجامعة، وأقلل من الذهاب إلى الأماكن ذات التجمعات الكبيرة، وقد لاحظت أن حالتي النفسية تكون جيدة في شهر رمضان، وتقل بعض هذه الأعراض معي.

هل أنا مصابة بمرض معين، أم أن حالتي سهلة ويسهل علاجها؟ وهل يجب علي الذهاب إلى طبيب مختص؟ وما هي النصائح التي يجب علي اتباعها؟ وهل من الأفضل أن أتناول أدوية معينة، وهل لهذه الأدوية آثار جانبية؟

رجاء ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

قد طرحت عدة تساؤلات في رسالتك، كما أن العرض الذي أوجزته عن مشكلتك واضح جدّاً، ومن خلاله أقول: إن لديك مؤشرات كثيرة بأنك بالفعل تعانين من الشكوك والظنان، واللجوء إلى سوء التأويل، ولا أعتقد أن حالتك قد وصلت إلى حالة مرضية ذهانية، وحتى هذه المرحلة أنا أراها جزءاً من شخصيتك، وليس مرضاً ذهانياً أو عقلياً، حيث إن الشخصية لها عدة تقسيمات، فهنالك ما يعرف بالشخصية القلقة الحساسة الظنانية، أو ما يسمى بالشخصية البارونية.

أرى أنك تحملين سمات هذه الشخصية، أي الشخصية البارونية الظنانية، وكما ذكر لك من حولك أنك بالفعل حساسة، والشخص الحساس دائماً يكون حذراً في علاقته مع الآخرين، ويلجأ إلى سوء التفسير وسوء التأويل، وقد يفهم الأمور بغير معناها الحقيقي، وهذا ليس انتقاداً أو انتقاصاً لك، ولكن فقط وددت أن أوضح لك بعض الجوانب الهامة؛ لأن العلاج يقوم كله على إحسان الظن بالناس، فلا تراقبي كل كلمة، أو كل تصرف يصدر منك، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ولابد أن يتفاعل ويتواصل ويلتقي بالآخرين، وإذا كان الواحد منا يسيء التأويل في كل ما يقال له أو عنه، فهذا بالطبع لن يجعل الحياة سهلة ويسيرة، خاصة في جوانب التعامل.

تجاهلي تماماً هذا النوع من الظنان والشكوك، وأشغلي نفسك بما هو مفيد، وأنصحك أيضاً أن تكوني أكثر تواصلاً بالصالحات من الفتيات في عمرك؛ لأن الإنسان حينما يرتبط بإنسان خلوق وصالح، ويجعله رفيقاً له، لا يشك فيه أبداً، وهذا في رأيي سوف يكون مدخلاً لك أن تصلي إلى قناعة، أن هذا العالم به الكثير من الخيرين والكثير من الصادقين، ومن يمكن أن يُحسن الظن به، وأنت مأمورة شرعاً بإحسان الظن بالآخرين، فقد وصى الله تعالى المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات:12.

درجة القلق التي لديك جعلتك أيضاً تجدين صعوبة في التعامل مع الآخرين، والشكوك جانب منعك من التفاعل الإيجابي مع الآخرين، ولكن أيضاً لديك درجة بسيطة جدّاً مما يمكن أن نسميه بالرهاب الاجتماعي، ولكنه من درجة بسيطة جدّاً، وهذا أيضاً يعالج ببناء الثقة في النفس، وعدم اللجوء إلى سوء التأويل أو التفسير، فبعض الناس -كما ذكرت- يحمل الأمور أكثر مما يجب، لا تنظري لنفسك بأقل من الآخرين؛ لأنك في حقيقة الأمر لست بأقل منهم، بأي حال من الأحوال.

أنصحك أيضاً أن تركزي على دراستك، وأن تنخرطي في أي جمعيات شبابية ثقافية خيرية، اذهبي إلى مراكز تحفيظ القرآن، هذا كله يجعلك -إن شاء الله- تتفاعلين بصورة إيجابية مع الآخرين.

لا شك أن الذهاب إلى طبيب نفسي مختص سيكون أيضاً أمراً جيداً، وأعتقد أن الطبيب -أو الأخصائي- النفسي، يمكن أن يقوم بإجراء بعض الاختبارات الشخصية، وهذه الاختبارات كثيرة جدّاً، هناك اختبارات مباشرة، واختبارات أخرى غير مباشرة، وهي تعطي الطبيب أو المعالج فكرة جيدة عن محتوى الشخصية، ودرجة الصدق والثبات في الاختبارات جيدة جدّاً.

بالنسبة للأدوية: أنت في حاجة لها بجرعات بسيطة، ولفترة ليست بطويلة، وبما أنك سوف تذهبين إلى الطبيب، سوف أترك هذا للطبيب الذي ستقومين بمقابلته، أما إذا رأيت أن لا تذهبي إلى الطبيب، وأن تتحصلي على الدواء -فإن شاء الله- يمكنك أن تتناولي بعض الأدوية المفيدة والجيدة جدّاً، فهنالك دواء يعرف تجارياً باسم (رزبريدال Risporidal)، أو ما يسمى علمياً باسم (رزبريادون Risperidone)، فيمكنك تناوله بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم توقفي عن تناوله، هذه الجرعة جرعة بسيطة وصغيرة جدّاً، ويعتبر الدواء بهذه الجرعة لا آثار جانبية سلبية له، والذين يعانون من الأمراض الذهانية تُعطى لهم جرعة لا تقل عن أربعة مليجرام يومياً، لكن في حالتك بما أن الأعراض كلها تتمركز حول الشخصية والحساسية التي تعانين منها، فواحد مليجرام من الرزبريادون سوف تكون كافية.

وبجانب هذا الدواء هنالك دواء آخر يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin)، ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، أفضل أيضاً أن تتناوليه بجرعة خمسين مليجراماً ليلاً لمدة أربعة أشهر، وهذا الدواء في الواقع ضد القلق والتوتر، وكذلك المخاوف، ودرجة الوساوس البسيطة التي تعانين منها.

أود أن أشكرك كثيراً على التواصل مع إسلام ويب، وأؤكد أن حالتك بسيطة جدّاً، ولا شك أن استعادة الثقة في نفسك، والجهد في دراستك وتنظيم وقتك، واتخاذ الرفقة والقدوة الحسنة، ومحاولة إحسان الظن بالآخرين بقدر المستطاع، وكذلك الاستغفار -إن شاء الله- ستكون سبباً في زوال كل هذه الأعراض التي تعانين منها.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً