الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خجل زائد وخوف من التحدث أمام الآخرين..هل من حل لهما؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكر لكم جهودكم وسعيكم في مساعدة الآخرين، وأتمنى لكم دوام التوفيق، وأرجو منكم التكرم بمساعدتي في مشكلتي، فقد نفد صبري ولم أعد أحتمل.

مشكلتي الأساسية هي الخجل الزائد أمام الآخرين، والخوف من التحدث منذ الطفولة في المحافل الاجتماعية وأمام الناس.

في سن السابعة عشرة بدأت الحالة في التفاقم، وازداد شعوري بالخوف من مواجهة الآخرين، وأصبحت غير قادر على التحدث بثقة، بسبب ضعف الثقة بالنفس.

راجعت أكثر من مرة عيادة نفسية، ووصف لي الطبيب في البداية دواء "سيروكسات"، لكنني واجهت أعراضًا نفسية صعبة مع هذا الدواء؛ حيث أصبحت لا أطيق أحدًا، ومستعدًا للشجار مع أي شخص، وغير قادر على التحدث مع الآخرين، فقررت التوقف عن استخدامه بعد أربعة أشهر، ولم تتحسن حالتي بل ازدادت سوءًا.

ذهبت إلى طبيب آخر، فوصف لي دواء "سيبرالكس"، وقد استخدمته لمدة تقارب خمس سنوات، ولكن مشكلتي مع هذا الدواء أن التحسن كان متذبذبًا، أتحسن أحيانًا، ثم أنتكس فجأة عند تعرضي لموقف محرج أو مشادة كلامية، وعندما أرفع الجرعة إلى 20 ملغ، أصاب بفرط التفكير أمام الآخرين، وتزداد عصبيتي بشكل مفرط، أما عند تخفيف الجرعة إلى 10 ملغ، فأشعر بأنني أكثر هدوءًا وسلاسة في التعامل، لكن التوتر والخوف يبقيان مستمرين.

حالتي النفسية غير مستقرة، ومزاجي متقلب، ومنذ حوالي عشرة أيام زرت طبيبًا نفسيًا جديدًا، وشرحت له حالتي، فنصحني بتجربة دواء "فافرين"، وقد بدأت باستخدامه، وأسأل الله أن يكون أفضل من غيره، لكنني لا أعلم حتى الآن.

أرجو منكم التكرم بإفادتي حول حالتي: هل هناك علاج فعّال يساعدني على استقرار حالتي النفسية، أم أنني سأظل متقلب المزاج؟

جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنَّ حالتك هي إحدى حالات القلق الشائعة، والتي فاقمها وجود الخجل منذ طفولتك؛ مما أدى في نهاية المطاف إلى ما نُسميه الرهاب الاجتماعي. هذه الحالات منتشرة وكثيرة، وأتفق معك أنها قد تسبب شعورًا بالكدر وعسر المزاج.

لكن من أهم وسائل العلاج هو أن تتفهم حالتك، وأن تعرف أنها ليست خطيرة، وأن إحدى وسائل علاجها: السعي لتجاهلها، وعليك أيضًا أن تُدير وقتك بصورة صحيحة، وتكون فعالًا في عملك وتواصلك الاجتماعي، وأن تكثر من ممارسة الرياضة، وتنضم إلى النشاطات الاجتماعية والتطوعية؛ هذه الأمور جميعها تصقل الإنسان وتطوره وتؤهله اجتماعيًا بصورة تساعد كثيرًا في القضاء على الخوف الاجتماعي.

أعرف من عالجوا أنفسهم من الرهاب الاجتماعي من خلال حضور حلقات التلاوة، أعرف ذلك جيدًا، وأعرف أيضًا من عالجوا أنفسهم بالانضمام إلى النشاطات الاجتماعية والأعمال التطوعية والخيرية، ومن مارسوا الرياضة الجماعية.

أخي الكريم، يجب ألَّا نعتبر الدواء هو كل شيء في العلاج، نعم هذه الأدوية تساعد، ولا ننكر ذلك أبدًا، ولكن العلاج الأفضل هو التوجه نحو العلاج السلوكي الذي ذكرته لك.

العلاج السلوكي فوائده ومنافعه أكثر استمرارية؛ حيث إنه يمنع الانتكاسات ويجعل الإنسان يشعر بالرضا، والإنسان الذي يعتمد فقط على الدواء، أعتقد أنه لن يصل إلى النتيجة المرجوة، ومع ذلك نحن لا نقلل من قيمة الدواء أبدًا، بل البعض من الإخوان والأصدقاء يعتقد أني أكثر ميلًا للمدرسة البيولوجية النفسية.

الذي أرجوه منك هو أن تُعطي أهمية كبيرة للعلاجات السلوكية، وهي مختلفة وكثيرة. أنا ذكرت لك بعض رؤوس الأقلام، وأريدك أن تتعمق فيها أكثر، فتمارين الاسترخاء أيضًا تُعتبر مفيدة، والعلاج عن طريق التجاهل يُعتبر مفيدًا، ومواجهة المخاوف في الخيال وفي الواقع تُعتبر أيضًا علاجًا سلوكيًا ممتازًا جدًا.

إذن: أمامك موسوعة من الاختيارات التي أرى أنها كلها مفيدة. وبالنسبة للعلاج الدوائي، أتفق معك أن الـ (سيروكسات، Caroxat) بالرغم من فعاليته الممتازة، إلا أن أقلية من الناس قد يسبب لهم قلقًا مزعجًا، وأعتقد أنك من هذه الفئة القليلة التي ذكرناها.

أمَّا بالنسبة للبدائل الدوائية الأخرى، فهي كثيرة جدًّا، منها:
- الـ (سيبرالكس Cipralex) دواء ممتاز.
- الـ (زولفت، Zoloft) أو كما يسمى علميًا (سيرترالين، Sertraline) هناك أبحاث تشير أيضًا أنه ربما يكون هو الأفضل.
- الـ (إفكسور، Effexor) والذي يعرف باسم (فينلافاكسين، Venlafaxine) هناك أبحاث الآن تذكر أنه دواء ممتاز جدًّا لعلاج مثل هذه الحالات.
- والـ (فافرين، Faverin) الذي وصفه لك الطبيب أيضًا هو من الأدوية الممتازة والفعالة في علاج مثل هذه الحالات.

من الواضح تمامًا أن الدواء يناسب الإنسان حسب التكوين الجيني للإنسان، فأنت تعرف أن لكل إنسان تميزه عن الآخرين، وسبحان الله هذه الأدوية وُجد الآن أنها تعمل حسب التركيبة الجينية لكل إنسان، وهذا لم يحدد حتى الآن، أي أننا لا نعرف أي دواء يناسب أي نوع من الجينات، وإن كان هناك الآن جهد كبير جدًا مبذول في تحديد ما يُسمى بالخارطة الجينية.

بشكل عام، أنصحك بالاستمرار على دواء الفافرين، مع التأكيد على ألَّا تقل الجرعة اليومية عن 200 مليجرام؛ فالكثير من الناس يستخدمون الأدوية النفسية دون الالتزام بالجرعة الصحيحة، علمًا بأن الجرعة القصوى هي 300 مليجرام، لذا ننصحك بزيادة الجرعة تدريجيًا حتى تصل إلى 200 مليجرام يوميًا.

كما نوصي باستخدام دواء مساعد آخر مثل عقار (بوسبار، Buspar)، والذي يُعرف علميًا باسم بوسبيرون (Buspirone).

يمكنك البدء بجرعة 5 مليجرامات صباحًا ومساءً لمدة أسبوعين، وبعد ذلك تُرفع الجرعة إلى 10 مليجرامات صباحًا ومساءً لمدة ستة أشهر، ثم تُخفض الجرعة إلى 5 مليجرامات صباحًا ومساءً لمدة ستة أشهر أخرى، وبعدها يمكنك التوقف عن تناول هذا الدواء.

توجد أدوية مدعمة أخرى يمكن أن تكون بديلة للبوسبار، ومن أهمها الدواء الذي يُعرف باسم (فلوناكسول، Flunaxol)، ويُعرف علميًا باسم (فلوبنتكسول، Flupenthixol)، والجرعة المطلوبة كجرعة تدعيمية هي حبة واحدة يوميًا في الصباح، وقوة الحبة هي نصف مليجرام، والمدة المطلوبة لتناولها هي ستة أشهر.

إذن أمامك هذه البدائل، وعليك أن تكون متفائلًا مفعمًا بالأمل والرجاء، وأن تسأل الله تعالى أن يحفظك وأن يشفيك، ومن جانبي أسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً