الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأطفال وكيفية وقايتهم من التأثر بالأمراض النفسية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعلم من أين أبدأ، لكني سأحاول الاختصار قدر الإمكان، ابنتي الكبرى تبلغ من العمر 19 عامًا، وقد مرت بظروف صعبة أثرت عليها نفسيًا؛ مما أدى إلى إصابتها بالاكتئاب واضطراب في الشخصية، وتم إدخالها إلى مستشفى نفسي منذ ستة أشهر لتلقي العلاج.

لدي أيضًا ابن عمره 22 عامًا، وآخر عمره 13 عامًا، وطفلة صغيرة تبلغ 10 سنوات، ما يقلقني حاليًا هو حالة هذه الطفلة الصغيرة، فهي شديدة التعلق بأشقائها، وتحبهم حبًا كبيرًا، وقد تأثرت كثيرًا بمرض أختها الكبرى وغيابها عن البيت، تسألنا دائمًا: "متى ستعود أختي؟" ويبدو عليها الحزن الشديد.

لذا أرجو منكم التفضل بالإجابة على هذه الأسئلة:

1. كيف يمكننا التعامل مع ابنتي الصغيرة، لحمايتها نفسيًا ومنع تأثير مرض أختها عليها مستقبلًا؟ خاصة أن بعض المصادر تقول إن الاكتئاب قد ينتج عن مرض أحد أفراد الأسرة أو فقدانه.

2. هل من المناسب أن تزور أختها في المستشفى النفسي؟ وهل لذلك آثار سلبية على نفسيتها؟ وكيف يمكننا أن نشرح لها من منظور ديني، ما تمر به أختها، بطريقة تناسب عمرها وتطمئن قلبها؟

أرجو منكم الاهتمام بهذه الأسئلة، وأسأل الله أن يبارك في جهودكم، وأن يجزيكم خير الجزاء، ويرزقكم الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن تعلق ابنتك الصغرى بأختها شيء طبيعي، وفي مثل هذه الحالات هذه الابنة تستطيع أن تستوعب أشياء كثيرة إذا شُرح لها، فأعتقد أنه من الأفضل أن تشرح لها حالة أختها، ليس بتفاصيل مزعجة ومخيفة، أوضحي لها أنها مثلًا: (لا تنام جيدًا، كما أن تناولها للطعام ليس بالصورة المطلوبة، وهي في بعض الأحيان تكون غير مرتاحة في داخل نفسها؛ ولذا قال الطبيب: من الأفضل أن تكون بالمستشفى).

فإعطاؤها بعض المعلومات المعقولة أعتقد أنه سيكون أمرًا مهمًا وجيدًا، ولا شك أن الطفلة في عمر استيعاب كما ذكرت لك، فدعيها أيضًا تقوم بزيارة أختها، فهذا لا مانع فيه أبدًا، معظم المستشفيات تكون فيها أماكن ليلتقي الزوار بزائريهم، فلا داعِي أن تُترك في داخل الغرفة التي معها مرضى آخرون، حالتهم أكثر اضطرابًا.

وهناك وسيلة أخرى جيدة يمكن أن يُستفاد منها، وهي: أن المستشفيات النفسية في معظم دول العالم تعطي ما يعرف بالإجازة التجريبية، أي أن المريض يذهب إلى المنزل مرة في الأسبوع أو مرتين، ثم بعد ذلك يرجع إلى البيت، وتكون هذه الزيارات التجريبية لساعات قليلة، وفي بعض الأحيان تتاح للمريض الفرصة ليقضي الليلة في البيت، هذا أيضًا سوف يوفر التواصل ما بين الأختين، وفي نفس الوقت هي طريقة علاجية جيدة جدًّا لابنتك المريضة، هذا يتطلب نوعًا من الترتيب مع إدارة المستشفى، وفي نفس الوقت النظم والقوانين المتبعة، يجب أن تراعى ونتبعها جميعًا، هذا هو الأمر بالنسبة لكيفية التواصل ما بين الأختين.

بالنسبة لابنتك الصغرى: ليس من الضروري أبدًا أن تُصاب بنفس المرض، أو بنفس العلة، الأمراض النفسية والعقلية -بصفة عامة- تكون أسبابها متعددة، وفي كثير من الأحيان لا نجد أي سبب واضحٍ، والأسباب المتعددة منها عامل الوراثة، وعامل الوراثة يعتبر عاملًا مهما، ولكن الذي تؤثر فيه الوراثة، هو الاستعداد للمرض، وليس المرض نفسه، وأعتقد هنا في نفس هذه الحالة فرصة الوراثة ضعيفة، أو تأثير الوراثة لن يكون بالدرجة التي تنعكس سلبًا على الطفلة؛ لأن الوراثة الأساسية المؤثرة هي أن يُصاب الوالدان بالمرض، وليس الإخوة أو الأخوات.

فإذن يجب أن تطمئني من هذه الناحية، ولا شك أن تهيئة الظروف الحياتية الجيدة، والتربية المتوازنة، سوف تتيح للطفلة الفرصة بأن لا تصاب بمثل هذه الأمراض، وعليه حاولي أن تنشئيها تنشئة إسلامية طيبة، وحاولي أن تطوري من مهاراتها في داخل المنزل، ومساعدتها في إدارة وقتها، وأن تكون لها علاقات طيبة مع فتيات في عمرها، وأن لا تشكلي عليها حماية زائدة ومطلقة، وبما أنكم تعيشون في ألمانيا، ربما تكون هنالك صعوبات تربوية كبيرة، وهذا -إن شاء الله- يمكن تخطيه بالتواصل الأسري مع الأسر المسلمة، وكذلك الذهاب إلى المراكز العربية والإسلامية المتوفرة في هذه البلاد.

إذن ليس هنالك ما يدعوك للقلق، وكل المطلوب هو تربية متوازنة، وعليك بالدعاء، ونسأل الله تعالى أن يحفظها، وأعتقد أن شرح حالة ابنتك الكبرى لأختها من الناحية الدينية لا تختلف أبدًا من السياق السلوكي الذي ذكرته لك سابقًا، وهو إطلاعها وإعلامها ببعض المعلومات عن حالة أختها دون الدخول واللجوء إلى تفاصيل كثيرة ودقيقة، ويمكنك أن تجيبي على الطفلة أي استفسارات أو أسئلة تسأل عنها، ودائمًا حاولي أن تنمي في ابنتك الصغرى أن تدعو الله تعالى لأختها بالشفاء، وهذا -إن شاء الله- يقلل من أحزان الصغيرة، وفي نفس الوقت نسأل الله تعالى أن يستجيب لدعائها.

نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لابنك العافية والشفاء، وأن يجعل ذريتك قرة عين لكم.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً