الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإحباط والاكتئاب أثروا على مستواي الدراسي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ طفولتي، لم أشعر بالسعادة، ولا أتذكَّر منها سوى سوء معاملة أبي لي، وتفضيله لأخي الأصغر عليَّ. نتيجة لذلك كنت مضطربًا نفسيًّا ودراسيًّا واجتماعيًّا، ولم تكن لي صداقات؛ حيث كنت منفِّرًا وعدوانيًا تجاه زملائي.

نجحت في المرحلة الابتدائية بفضل مذاكرة أمي لي، ودخلت المرحلة الإعدادية، وكان مستواي الدراسي هابطًا في الصفين الأول والثاني الإعدادي، لكن السنة الثالثة كانت سنة تحوُّل؛ حيث تغيَّرتُ نفسيًّا، وتخلصتُ من الاكتئاب، وذاكرتُ ونجحتُ بتفوق، وكوَّنت صداقات مع العديد من الزملاء.

ثم دخلت المرحلة الثانوية وأهملت المذاكرة ثانيةً، وأصبت بنوبات اكتئاب كثيرة، وكانت نهاية السنة تجربة صداقة فاشلة أدت إلى اكتئاب شديد.

في السنة الثانية من المرحلة الثانوية، ذاكرتُ وحرمتُ نفسي من كل شيء، وأحرزت 97%. نتيجة لذلك حاولت أن أعوض ما فاتني من حاجات اجتماعية ونفسية، فأهملتُ المذاكرة وهبط مجموعي إلى 90%.

بعد ذلك دخلت الكلية وكنت محبطًا نفسيًّا ومكتئبًا، ومنذ ذلك اليوم رسبتُ ثلاث مرات، وحينما أنجح أنجح بصعوبة.

ذهبت حتى الآن إلى ستة أطباء نفسيين ولم يفلحوا معي، بعضهم شخَّص الحالة بأنها اكتئاب، والآخر ضلالات، والآخر اضطراب ثنائي القطب، وأخيرًا: اضطراب الشخصية.

أنا الآن أشكو من أنني غير مدرك للأمور بشكل صحيح، وأشعر بأنني غير طبيعي، وغير متفاعل مع أي شيء، وغير مُقبل على أداء أي شيء. أذاكر بصعوبة شديدة، وليس لدي دافع تجاه أي شيء، وأشعر بشيء من الجنون، وخطِّي سيء جدًّا، وغير قادر على الخروج ممَّا أنا فيه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

بدايةً: لا أريدك أبدًا أن تنظر إلى الماضي وإلى طفولتك بهذه السلبية والسوداوية، والإنسان حين يكون فيه شيء من الاكتئاب، وعسر المزاج، والكدر دائمًا ينظر إلى الماضي نظرة فيها الكثير من التشاؤم، وينظر إلى المستقبل أيضًا بشيء من فقدان الأمل، وينظر إلى الحاضر على أنه لا قيمة له، وهكذا.

وهذه المشاعر السالبة يجب أن تجتهد في تغييرها، فالماضي هو تجربة وعبرة، والحمد لله أنت الآن في مرحلة الشباب، ومهما كان ماضيك فيه صعوبة، فهذه الصعوبات الآن قد انتهت، وهي يجب أن تكون دافعاً ومحفزاً لك لأن تعيش الحاضر بقوة والمستقبل بأمل.

ثانيًا: لابد أن حياتك فيها إيجابيات، فالدرجات التي أحرزتها جيدة، فأنت وصلت لهذه المرحلة وإن كانت هناك إخفاقات، ولكن توجد أيضاً نجاحات، والطريقة التي عبرت بها في رسالتك هي طريقة جيدة ومنظمة ومرتبة، وتدل على وجود فكرٍ ومعرفة، وهذا شيءٌ إيجابي يطمئنني، ويجب أن يكون حافزاً ودافعاً لك.

النظرة للمستقبل يجب أن تكون بأمل، ويجب أن تجتهد في دراستك، ويجب أن يكون هنالك نوع من الانتماء لذاتك، ولأسرتك ولدينك ولوطنك، هذا كله يجعل الإنسان يشعر بأن مشاكله لا تعني أي شيء بالنسبة لصعوبات الآخرين، وبالنسبة للواجب الذي من المفترض أن يكون عليه، وهو أن يقدم لنفسه ولأسرته ولوطنه ولدينه، فأرجو أن تنظر إلى الأمور بآفاق متسعة، ولا تنكب حول ذاتك؛ فهذا يجعلك تحس بالسلبية وتحس بالاكتئاب.

ومن أجل اتخاذ خطوات عملية أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تنخرط في أنشطة اجتماعية، انضم إلى الجمعيات الخيرية؛ فهذه الأعمال لها قيمة عظيمة جدّاً في حياة الإنسان، وتشعره بالرضا، وتشعره بالانشراح الداخلي، وتقوي من قناعاته بمقدراته وكفاءة ذاته..هذا أنا أنصحك به كثيراً.

مارس الرياضة؛ فالرياضة اتضح أنها الآن تؤدي إلى تغيرات بيولوجية وكيميائية داخلية؛ تعود بالنفع النفسي والجسدي على الإنسان.

اسع دائماً لأن ترتب وقتك وأن تنظمه بصورةٍ جيدة، وأن تستفيد منه؛ لأن إدارة الوقت فيها الكثير من الخير للإنسان، والإنسان الذي ينجز -حتى وإن كانت هذه الإنجازات بسيطة-؛ يحس في نهاية الأمر بأنه قد أنجز، وهذا يعطيه الشعور بالرضا، وهذا من أكبر المحفزات، ومن أكبر ما يجعل الإنسان يلجأ إلى المزيد من الإنجاز، وهذا هو عينه التفكير الإيجابي والتوجه الإيجابي الذي يؤدي إلى تعديل السلوك.

وبالنسبة للتشخيص: أنت ذكرت أنك قابلت عدة أطباء، وهم من أميز الأطباء، وهناك اختلاف في التشخيص، فهناك من قال إنه لديك اكتئاب، وهناك من قال إنه لديك ضلالات، وهناك اضطراب ثنائي القطبية، وأعتقد أنه من الأفضل لك أن تواصل مع طبيب واحد؛ فالطبيب الواحد يستطيع أن يتفحص حالتك أكثر، ونعرف أن أربعين بالمائة إلى خمسين بالمائة من الحالات النفسية حتى أمهر الأطباء لا يستطيعون أن يشخصوها من الوهلة الأولى؛ لأن النظم التشخيصية متفاوتة ومختلفة.

وهنالك عدة مدارس، وهناك كثير من الحالات دائماً نراها في المنطقة الوسطى، أي بما أن الحالة قد تحمل شيئاً من أعراض الاكتئاب، وشيئاً من أعراض الوساوس، وشيئًا من أعراض الذهان، فهذه القطع الصغيرة حين تجمع مع بعضها البعض ربما تؤدي إلى تشخيص لا يستطيع حتى أحذق الأطباء أن يضع يده على المشكلة الحقيقية، ولذا نجد هنالك التفاوتات والتباينات في التشخيص، ولكن بفضل الله توجد أدوية جيدة تعالج كل هذه الحالات.

فهناك الأدوية المضادة للاكتئاب، وهناك الأدوية التي تعالج القلق والتوتر، وهناك الأدوية التي تعالج الوساوس، وبعض الأدوية المضادة للذهان، مثل عقار يعرف باسم (سيروكويل - Seroquel)، وجد أنها تعالج الاكتئاب وتعالج الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وحتى تعدل من اضطراب الشخصية، خاصة إذا كانت الشخصية من النوع الاندفاعي أو الانفعالي أو غير منظمة الأبعاد، وأنصحك أن تطبق الإرشادات السابقة، لأن فيها الخير لك من الناحية التأهيلية.

أما بالنسبة للدواء فيجب أن تراجع طبيبًا واحدًا، وتستمر معه لفترة، وتعطيه الفرصة، وتوضح ذلك للطبيب أنك تنقلت بين أطباء كثر، وأنت الآن تود أن تواصل معه، وإذا أعطيت نفسك وطبيبك الفرصة فسوف يسير في الاتجاه الصحيح من ناحية العلاج الدوائي.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً