الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوحدة والاكتئاب يسيطران على حياتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا من الأردن، أعاني من حالة صعبة للغاية، بدأت تؤثر بشدة على حياتي، منذ طفولتي اعتدت على اختلاق شخصيات غير موجودة، وأخبر الآخرين أنني أتعامل معهم، وفي الجامعة كنت أختلق شخصيات وأقول لأهلي: "كنت مع فلان، خرجت مع فلان، صديقي فلان... إلخ".

للأسف أعاني من وحدة شديدة، وسبق أن تلقيت علاجًا نفسيًا عند دكتور، لمدة تزيد عن 140 جلسة، ولم أستفد شيئًا، ولم يصف لي أي دواء.

أقيم الآن وحدي، وأهلي في دولة أخرى، ولا زلت أكذب عليهم وعلى كل من يعرفني، وحتى على نفسي، وأقول إن صديقي فلان وفلان، أنا وحيد، واضطرابي يزداد في الفترة الأخيرة، لم أتزوج، ولا أعرف فتيات، وكل فتاة أراها تعجبني، والآن أحب امرأة متزوجة لديها أطفال، وتكبرني بأكثر من 6 سنوات.

أخاف من الحياة ومن نفسي، وأبكي بشدة فجأة، وأحياناً أفرح بلا سبب، وفي الشهور الأخيرة أصبحت مكتئبًا بشكل دائم.

أرجوكم ساعدوني، ولا تطلبوا مني الذهاب إلى طبيب نفسي، فأنا فقير ولا أملك المال الكافي، إيماني بالله كبير، وثقتي فيكم كبيرة، آمل أن تجيبوني بأسرع وقت.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أمجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

الذي تعاني منه يأتي في محيط ما يمكن أن نسميه: باضطرابٍ بسيطٍ في الشخصية، فهذا التخيل، وتكوين فكرة غير موجودة، والكذب -كما ذكرت- نعتبره نوعاً من التصرف القهري، أي كأنه مفروض عليك، بالرغم من أنك مكتمل الإرادة والبصيرة، ومرتبط بالواقع.

بعض الناس يكون لديهم اندفاعات سلبية، مثل: اختراع أشياء -كما ذكرت- أو الحديث عن أمور ليست واقعية، ويحسون بشيء من الراحة النفسية حين يقومون بمثل هذا الفعل، ونعتبره أمراً اندفاعياً، أو ما يمكن أن يُسمى بالنزعات الوسواسية القهرية، هذا ربما يعتبر عذراً بالنسبة لك، لكن عليك أن تجاهد نفسك، وأن تحسن من منظومتك القيمية، وتعرف أن هذا الأمر مرفوض، وليس بالجيد، ويجب أن تقاومه وتحقره وتتجاهله.

لدي نصيحة لك: بأن تطبق بعض التمارين السلوكية الخاصة، مثلاً: إذا أردت أن تخترع إحدى هذه الشخصيات، أو أردت أن تكذب على أهلك، فقبل أن تقوم بذلك اجلس، وفكر في الكلام الذي تريد أن تقوله، وفي نفس الوقت قم بالتفكير في حادث مؤلم حدث لك أو شاهدته، واربط ما بين التفكيرين، استمر على هذا التفكير لمدة خمس دقائق، بعد ذلك انتقل إلى تمرين آخر مباشرة، وهو أن تتصور في ذهنك الفكرة التي تريد أن تقولها لأهلك، أو لأي شخص آخر، وهي غير صادقة، وفي نفس اللحظة قم بالضرب على يديك بقوة وشدة، حتى تحس بألم شديد، كرر هذا التمرين عدة مرات، أي أن تربط بين فكرة الكذب وما تريد أن تقوله، والألم، هذا الربط وجد أنه يُضعف الفكرة القهرية، وفي حالتك هي هذا الكذب المتكرر، والذي قد يكون بدأ أيضاً بنوع من أحلام اليقظة.

لابد أن تعرف أن الكذب ذميم، ولابد أن تقرأ عن الصدق، وأن الله تعالى قد امتدح الصادقين وأمرهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. وقال النبي ﷺ: (إِنَّ الصِّدْقَ ‌يَهْدِي ‌إِلَى ‌الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) ويجب أن تربط نفسك بالواقع بصورة أكبر، وأن تكوّن صداقاتك وعلاقاتك مع الطيبين والصالحين من الناس؛ لأن الصاحب ساحب، وأنصحك أيضاً بأن تنخرط في بعض الأنشطة الخيرية الاجتماعية؛ لأن الإنسان حين يبني الخير في نفسه، تتحسن منظومته القيمية، وأتصور من خلال هذه التطبيقات -إن شاء الله- أمورك سوف تتحسن كثيراً.

بالنسبة لعامل الوحدة، وأنك لا تفضل التفاعل مع الناس، فأعتقد أنه ناتج من المزاج القلقي والاكتئابي العام، الذي كان يسيطر عليك، ولا زال له آثار سلبية عليك.

لا شك أن مشاعرك نحو هذه المرأة المتزوجة أمر بغيض، وهو أمر مرفوض، ويجب أن تقيسه بمقاييس الحلال والحرام، ويجب أن ترتقي بنفسك، وتعرف أن هذا أمر يجب أن لا تفكر فيه وتغير هذه المشاعر.

أود أن أنصحك بتناول أحد الأدوية الممتازة والفعالة جدّاً، والتي -إن شاء الله- تحسن من مزاجك، وتساعدك كثيراً في السيطرة على هذه الاندفاعات النفسية القهرية السلبية.

الدواء يعرف تجارياً باسم (بروزاك prozac) ويعرف علمياً باسم (فلوكسيتين - Fluoxetine). أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراماً، استمر عليها لمدة شهرين، ثم ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، واستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء، وهو من الأدوية الجيدة والممتازة، ويمكنك الحصول عليه من الصيدلية دون وصفة طبية، ولا داعِي لأن تذهب إلى الطبيب النفسي، لأنك -كما ذكرت- ربما يصعب عليك من الناحية المادية، وما حدث لك مع الطبيب النفسي السابق لا تشغل نفسك بهذا الأمر، وابدأ صفحة جديدة وحياة جديدة، وكن فعالاً.

أنصحك بممارسة الرياضة باستمرار، وأن تكون لك الرفقة الطيبة، وعليك بالصلاة في المسجد في وقتها، ويا حبذا لو حضرت حلقات التلاوة ومجالس الذكر والعلم، وهذا كله -إن شاء الله- سيُحسن الإنسان من منظومتك القيمية؛ ويساعدك كثيراً في التخلص من هذه التشوهات النفسية.

إليك ملخص للإجابة، مع التركيز على النقاط الرئيسية والتوصيات:

1. تشخيص الحالة: تشير الأعراض التي تعاني منها إلى وجود اضطراب بسيط في الشخصية، يتمثل في:
- التخيل المفرط واختلاق قصص وشخصيات غير واقعية.
- الكذب القهري، أي الشعور بدافع لا يمكن مقاومته للكذب، رغم الوعي بأنه سلوك خاطئ.
- اندفاعات سلبية، ونزعات وسواسية قهرية، قد يكون لهذه الاندفاعات علاقة بالشعور بالراحة النفسية المؤقتة.

2. التوصيات:
* العلاج السلوكي: تمارين الربط بين الأفكار السلبية والألم:
- عند الشعور برغبة في اختلاق القصص أو الكذب، اجلس وفكر في الكلام الذي تريد قوله.
- في نفس الوقت، فكر في حادث مؤلم مررت به أو شاهدته.
- استمر في هذا التفكير لمدة خمس دقائق.
- بعد ذلك تخيَّل الموقف الذي تريد الكذب فيه، وفي نفس الوقت، اضرب يدك بقوة لتشعر بالألم.
- كرر هذا التمرين لربط الكذب بالألم، مما يضعف الرغبة فيه.

* تعزيز القيم الأخلاقية:
- التأمل في قبح الكذب وفضيلة الصدق.
- قراءة النصوص الدينية والأخلاقية التي تحث على الصدق.
- تذكَّر الآية القرآنية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، والحديث النبوي: (إِنَّ الصِّدْقَ ‌يَهْدِي ‌إِلَى ‌الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ).

* تحسين العلاقات الاجتماعية:
- تكوين صداقات مع أشخاص صالحين وإيجابيين.
- المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والخيرية.
- تجنب العزلة والانخراط في المجتمع.

* التعامل مع المشاعر السلبية:
- الاعتراف بأن المشاعر تجاه المرأة المتزوجة غير مقبولة، وضرورة تغييرها.
- توجيه المشاعر نحو علاقات صحية وإيجابية.

3. العلاج الدوائي:
- تناول دواء "بروزاك" (فلوكسيتين) بجرعات محددة كما وصف لك.
- استشارة طبيب أو صيدلي قبل البدء في تناول أي دواء.

4. نمط حياة صحي:
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- المحافظة على الصلوات في المسجد وحضور حلقات الذكر والعلم.
- العمل على تحسين المنظومة القيمية لديك.

5. نصائح إضافية:
- لا تستسلم لليأس بسبب تجربة سابقة مع طبيب نفسي.
- ركز على بناء حياة جديدة وإيجابية.
- تذكر أن تغيير السلوكيات يحتاج إلى وقت وجهد ومثابرة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً