الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد عقد القران، زادت الوساوس والظنون!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية: أتقدم بخالص التقدير وجزيل الشكر، لعلمائنا وشيوخنا وأساتذتنا، وأسأل الله أن يفرج كروبنا وهمومنا وهموم المسلمين، وأن يكفينا شرور أنفسنا وشرور الشياطين.

مشكلتي الشك، وسوء الظن، والوساوس الدائمة، حاولت مرارًا وتكرارًا التخلص منها بكافة الطرق، ولم أستطع، ولو اعتقدت أنني تخلصت منها بإيماني وثقتي فيمن حولي، أطمئن للحظات ودقائق، ثم يعود بي الأمر من ناحية لم أكن أتخيلها أبدًا، وتؤلمني لدرجة أنني أقدم على ضرب نفسي، أو كره نفسي التي بداخلي، وأستطيع أن أوقفها، ولكني بت أخشى شبحًا مرعبًا يعيش بداخلي، كائناً قاتلاً ينهش في لحمي، بدأت أقف على هذه الأمور في التالي:

أولاً: تركت خطيبتي الأولى رغم كل مشاعر الود والحب بيننا، فمع بعض المواقف بدأت أسترسل في الغيرة والشك وسوء الظن، إلى أن وصلنا إلى خلافات يومية زادت من مشاكلنا، مع العلم أنني لا أطمئن إلا عندما تكون معي، ثم تركتها بالفعل، ومررت بحالة نفسية سيئة؛ جعلتني أفسد حالتي، وتجمعت بداخلي أمور مريرة واكتئاب، تغلبت عليها بالابتعاد عن البلد لفترة، ثم سافرت مرة أخرى.

بعد عام تقريبًا، ولأنني الابن الأكبر، وجميع إخوتي قد تزوجوا، بدأت أمي وأبي بالضغط عليّ، بدأت صحة أمي وحالتها النفسية تسوء من أجلي، كل يوم تقول لي: "أريدك أن تتزوج"، وكل يوم يذكرون لي عروسًا، بدأت لا أتحمل بكاء أمي، فجاؤوا لي بخطيبة، بدأ الجميع -بما فيهم أصدقائي وأهلي- يبلغوني عنها كل الخير والاحترام، وعندما تحدثت معها عبر الإنترنت ورأيتها ورأتني، بدأ يظهر نوع من التفاهم، استخرت الله كثيرًا، وكنت أرتاح نفسيًا، وقد تقدم الأهل، فقرأنا الفاتحة، وبعد شهر سيتم عقد القران.

فوجئت وأنا أحدث صديقًا لي أن الفتاة كانت مخطوبة لشخص آخر، وانفصلت عنه، ولم يشكك في أي سلوك لها، بل بالعكس شجعني، فتحدثت مع الفتاة عن الأمر، فقالت لي: "أهلك يعلمون"، ومع علم أهلي لم يخبروني بذلك، كنت قد تحدثت مع جميع أهلها، وصار بيننا ود واحترام وتقدير، كما قالت لي الفتاة: "كنت سعيدة أنك لم تذكر أي شيء عن الماضي" تركت الفكرة واستمر الأمر حتى تم عقد قراني.

ومن هنا، إخواني، بدأت النار تشتعل بداخلي من جديد، يوميًا أقاوم الوساوس والشكوك وسوء الظن فيها، أمور خطيرة بشعة لا أتحملها، فخيّل لي أنها ما زالت على علاقة قديمة، وكنت أظن أنها تكذب عليّ، وتخيلت أمورًا كثيرة، أحيانًا أتغلب عليها بعدم الاسترسال، وبالذكر والصلاة، وأرتاح نفسيًا لأنني أعلم أنها كلها من الشيطان، ووساوس من نفسي، وأحيانًا أخرى أقع فريسة للوساوس، فأصبح مذبوحًا، ولا أتحمل نفسي، والموت أهون عليّ.

فقدت حوالي 7 كيلوغرامات من وزني، وبدا لوني شاحبًا دائمًا، وظهر عليّ الحزن مرة أخرى، بعد أن كانت نفسي قد ارتاحت، وبدأ الجميع يلاحظ هذا، مع العلم أنها لم تعلم أي شيء عن ذلك، وأنا أعاملها بحب واحترام شديدين، وبدأت تحبني وتحترمني، وتحرص على إرضائي، لم تلاحظ هي كثيرًا بسبب سفري، ولكن كل هذا كان بداخلي.

لا أعرف هل وصفت حالتي بشكل صحيح أم لا، ولكنني أشعر بثقة في الله عز وجل، ثم فيكم، فأرجو أن تقدموا لي حلاً أو استشارة أو علاجًا، جعلها الله في ميزان حسناتكم، فما يعلم ما في قلبي من هم وحزن سوى الله وحده، وأتمنى أن تكرموني بالرد في أقرب وقت.

شكرًا لسعة صدوركم، وفقكم الله عز وجل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فأشكرك -أخي الكريم- على رسالتك هذه، وأسأل الله لك ولنا وللمسلمين جميعًا العفو العافية، والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.

الذي أعجبني في رسالتك هو أنك عرضت المشكلة، وفي نفس الوقت عرضت جزءاً كبيرًا من الحلول، دون أن تلاحظ ذلك بنفسك، فأنت الآن لديك شكوك حول هذه الزوجة، وهذه الشكوك تلح عليك وتتسلط عليك، بالرغم من قناعتك التامة أنها زوجة صالحة، وأنها تحبك، وأنك قد تجاوزت موضوع أنها كانت مخطوبة مسبقًا، ولم تخطرك وتخبرك، هذا هو الأمر الذي يؤرقك الآن، وأنا أتفق معك، أن مثل هذه النزعات النفسية مؤلمة جدًّا لصاحبها.

أنا أريد أن أربط بين هذا العرض الحالي الذي تعانيه، وما ذكرته في بداية رسالتك، أنك شخص لديه الميول للوساوس ولسوء الظن، وربما سوء التأويل في بعض الأحيان، هذا اعتراف جميل، وقليل جدًّا من الناس هو الذي يعترف بذلك.

المكونات النفسية للسلوك تقوم دائمًا على الفكر وعلى المشاعر، وهنالك عوامل نسميها بالعوامل المهيئة، وأخرى نسميها بالعوامل المرسبة لكل سلوك، وكل مزاج وجداني، أو حتى اضطراب نفسي، أو اضطراب عقلي، وفي حالتك من الواضح أنه لديك العوامل المهيئة القوية، وأقصد بذلك أن شخصيتك في الأصل، هي شخصية ظنانية وشكاكية، وهذا لا يعتبر مرضًا في حد ذاته، ولكنها علة، ربما تتفاقم إذا أتت الظروف المرسبة -أي الظروف الحياتية-، التي تؤدي إلى تنشيط الفكر الظناني، وفي حالتك: زوجتك الكريمة بما أنها كانت مخطوبة سلفًا، وأخفت عنك ذلك دون قصد سيئ من جانبها، هذا الوضع فُتح فيه الباب أمام الشكوك، وأمام الظنون.

فالتفاعل ما بين شخصيتك التي تحمل هذه الجوانب الوسواسية والظنانية، ووجود الحدث السابق -وهو الخطبة السابقة لزوجتك من رجل آخر-، هذا هو الذي جعل الأمر يتفاقم لديك، والمشاعر الوسواسية والشكوكية نتج عنها ما نسميه بالاكتئاب الثانوي، والاكتئاب الثانوي يؤدي إلى الكدر، يؤدي إلى تقلص الطاقات النفسية وحتى الجسدية، ولذا بدأت تفقد الوزن؛ لأن شهيتك للطعام قطعًا قد قلّت.

أخي الكريم: أنت تقوم بكل المجاهدات اللازمة، بأن تحسن الظن، وهذا أمر مطلوب، ولكني أعتقد أن الأمر فوق طاقتك، وأعتقد أنه لا بد من نوع من العلاج الدوائي، لأن الشكوك والظنان والوساوس لديها مكوّن نعتبره أساسيًا، وهو المكون البيولوجي، وهو أنه ربما تحدث تغيرات كيميائية في منطقة في الدماغ، وقد أُثبت هذا من خلال الفحوصات الطبية الدقيقة، التي قام بها العلماء بقياس ما يسمى: بالنشاط الأيضي في بعض مناطق الدماغ، واتضح أن الذين يميلون للشك والظنان والوساوس، لديهم خلل في الناقلات العصبية، وهذه تصحح بصورة بسيطة وسليمة جدًّا، وذلك من خلال تناول الأدوية المضادة للشكوك والوسواس والظنان، وهي كثيرة.

إن تيسر لك أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا، بعد أن تشرح له حالتك، فهذا جيد، وإن لم تستطع، فمعظم هذه الأدوية لا تحتاج لوصفة طبية، ومن أفضل هذه الأدوية: دواء يعرف تجاريًا باسم (زربريادال)، ويعرف علميًا باسم (رزبريادون)، يمكنك أن تتناوله بجرعة 1 مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى 2 مليجرام ليلاً، واستمر عليها لمدة عام، وهذه ليست مدة طويلة، ثم خفضها إلى 1 مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم يمكنك أن تتوقف عن الدواء، إذا شعرت بتحسن الكامل.

هنالك دواء آخر أفضّل أن تضيفه؛ لأنه سوف يحسن مزاجك، الدواء يعرف تجاريًا باسم (فافرين)، ويعرف علميًا باسم (فلوفكسمين)، والجرعة المطلوبة هي 50 مليجرامًا ليلاً بعد الأكل، تستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك ترفعها إلى 100 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى 50 مليجرامًا ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: اسعَ لأن تكون أكثر حبًّا ومودة لزوجتك، وجاهد نفسك في أن تكون أكثر ثقة بها، ودائمًا كن على إدراك أن شخصيتك الظنانية هي التي دفعتك نحو ذلك، وحاول أن تحسن الظن، وفي نفس الوقت أرجو أن تتواصل اجتماعيًا، وتغير نمط الحياة، أن تطور نفسك مهنيًا، التواصل مع الأرحام والأصدقاء، أن تمارس الرياضة، أن تجعل لحياتك معنى حقيقيًا من خلال هذه الأنشطة البديلة.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً