الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المواقف اليومية تجعلني أغضب وأتوتر بشكل قوي، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله.

يعطيكم العافية، وبوركتم على جهودكم الكريمة، أما بعد:

المشكلة أو الموضوع أني شاب أبلغ من العمر (27) عاماً، أعزب، خريج منذ أكثر من أربع سنوات، بلا عمل، هادىء جداً، بالمقابل أنا عاطفي جداً، عانيت من أزمات نفسية حادة جداً من مواقف أغضبتني من أصدقائي، وكان لها الآثار الصعبة علي، بدأت بضغط أعصاب الرقبة، مما يضعف حركة اليد أو القدم، ومن ثم أصبحت أسيراً لهذا الأمر، كلما غضبت من أحد الأصدقاء أهيئ نفسي لشد عضلي أو ضغط عصبي، وفي الآونة الأخيرة -أي منذ أسبوع- تعرضت لصدمة عصبية من صديق وافترقنا يوماً واحداً، وحينها أحسست بتوتر حاد طيلة اليوم، لا آكل ولا أتكلم ولا أسمع أحداً، وبعد المصالحة ارتحت، وأصبح التوتر سمة يومية لا تفارقني أبداً، عندما أشاهد مشهداً مؤثراً أو أغضب أو أي موقف مؤثر أتوتر، لكن بشكل بسيط، مع العلم أني لا أستطيع أحياناً أن أنام بالليل، بسبب الأرق، ويصاحبني التوتر الشديد.

أجريت فحوصات، كنت خائفاً من بعض الأمراض المصاحبة للتوتر -والحمد لله- كانت سليمة، لكن لا أضمن سلامتي، لأني عندما أضع رأسي على المخدة برغم شدة نعاسي تأتيني حالة الهلع والتوتر الشديدين، ربما من استحضار بعض المواقف السهلة، لكني أحولها إلى انتكاسة لعاطفتي، أو ما شابه، والآن أنا متوتر وخائف على نفسي من تبعات التوتر الذي لا ينتهي أبداً.

بصراحة شديدة لا أخفي عليكم، أشعر أني إنسان ضعيف جداً، لا أستطيع أن أسيطر على نفسي من موقف تافه، ربما لا يكون مهماً لغيري، لكنه في غاية الأهمية بنسبة لي، أريد أن أكون أقوى، أتحمل الموقف ولا أتوتر.

أرجو منكم أن تساعدوني ماذا أفعل، ما العلاج لهكذا حالة، ولماذا تلك العاطفة الجنونية، وكيف تراكمت؟ إن هذه الحالة جديدة علي، فكيف أتخلص منها؟ وشكراً لكم، وربما سأتواصل معكم من أجل حل مشكلتي، ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن كثيراً من علماء النفس يرى أن وجود القلق -حتى وإن كان بدرجة مرتفعة نسبيًا- هو دليل على نجاح الإنسان، أو يمكن أن يمكن هذا القلق مفتاحًا له لينجح وليسترسل في خياله، وليكون إنسانًا منتجًا وفاعلاً ومفيدًا لنفسه ولغيره.

درجة القلق لديك مرتفعة، ودرجة القلق هذه رفعت أيضًا درجة اليقظة لديك، وجعلتك تتمركز حول نفسك دون أن تعطي فرصاً للخيارات الأخرى في الحياة، متى ما قابلتك أي عثرة تبدأ في التوتر وتبدأ في القلق ولا تبحث في الخيارات والبدائل الأخرى التي ربما تكون أفضل، وبالفعل هي أفضل.

الذي أود أن أنصحك به هو أن تنمي ما يسمى بمهارات صرف الانتباه، فحين تأتيك نوبة القلق هذه فكّر في شيء آخر، فكر في شيء يكون أفضل من ناحية محتواه وطريقة تنفيذه ويكون نافعًا لك ولغيرك، وهذا يأتي من الاعتقاد الجازم بأن القلق طاقة نفسية يمكن أن يستفاد منها، فحاول أن تصرف انتباهك إلى أشياء أخرى وأعمال أخرى.

أداء المهام اليومية من خلال تنظيم الوقت بصورة جيدة وصحيحة يزيل الفراغات النفسية التي يملؤها القلق، حين يتقاطع الإنسان ولا يكون فاعلاً تحدث لديه فراغات نفسية كثيرة جدًّا، هذه الفراغات النفسية لا يمكن أن تملأ بأي شيء، خلاف القلق، فإدارة الوقت بصورة جيدة تفيد كثيرًا، الوقت يجب أن يُقضى في العمل، القراءة، الاطلاع، الترويح عن النفس، صلة الأرحام، مشاركة الآخرين، العبادة، ممارسة الرياضة، هذه كلها منافذ جيدة وتساعدك على تطوير ذاتك وعلى تأكيد ذاتك بصورة أفضل.

أمر آخر: في مثل حالتك ستستفيد كثيرًا من الأدوية المضادة للقلق والتوتر والمحسنة للمزاج، هنالك دواء يعرف تجاريًا باسم (تربتزول) واسمه العلمي هو (إميتربتلين) هو دواء قديم لكنه جيد وفعال جدًّا في مثل هذه الحالات، ويتميز أيضًا بأنه غير مكلف أبدًا من حيث السعر، ابدأ في تناول التربتزول بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا، تناولها ليلاً بعد الأكل، واستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها خمسين مليجرامًا يوميًا، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، والخمسون مليجرامًا يفضل أن تتناولها كجرعة واحدة ليلاً، وبعد انقضاء الثلاثة أشهر خفض الجرعة مرة أخرى واجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم خفضها إلى عشرة مليجرام يوميًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

التربتزول ربما يسبب لك جفافاً بسيطاً في الحلق، وربما تحس بثقل في العينين، بخلاف ذلك ليس له أي آثار جانبية أخرى، وليس له مضار على الإطلاق، وهو دواء سلس وفعال جدًّا، وسوف يحسن من مستوى النوم لديك -إن شاء الله-.

وبخصوص مشكلة النوم: الرياضة أيضًا سوف تفيدك، وتجنب النوم أثناء النهار ضروري جدًّا، والحرص على أذكار النوم له فائدة كبيرة جدًّا، ويفضل أن تثبت وقتًا معينًا للنوم أثناء الليل؛ لأن التأرجح في اختيار الوقت للذهاب إلى النوم ليس أمرًا صحيحًا، تثبيت الساعة البيولوجية يساعد على تثبيت المزاج وعلى تحسين النوم، تجنب أيضًا تناول الشاي والقهوة والبيبسي والكولا، وغيرها من المشروبات التي تحتوي على مادة الكافيين بعد الساعة السادسة أو السابعة مساء.

هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً