الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعور بالدونية وضعف التركيز والتوتر الدائم، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهز

بعد شكري وامتناني لكم على ما تقدمونه من جهود تعود إلى سمو وارتقاء في النوايـا، وحس الإنسانية ودوركم في جعل المجتمع أفضل، سأطرح النتائج، ولن أتطرق إلى التفاصيل حتى لا أطيل.

أعاني منذ الصغر من تأثر بشخصيات الآخرين بشكل ملحوظ، الأمر الذي أوصلني الآن إلى استحضار مجموعة من الشخصيات (ليس بالضرورة أن تكون شخصية أكون معجباً بها) عند القيام بأي تصرف أو فعل أو رد فعل، حتى لدرجة أساليب الجلوس أو طريقة المشي، وبعد أن فشلت في تحويل هذه المشكلة إلى موهبة وصلت إلى مرحلة أني كلما أقع في موقف حتى لو كان بسيطاً، أسأل نفسي مثل أي شخصية سأتصرف؟ وإذا تصرفت يخرج مني مزيج من التصرفات، أو أعجز عن ردة الفعل، يعني في كلا الحالتين تكون ردة فعلي سخيفة، وأفضح نفسي في ذلك، ووصلت إلى أن أمر بعدة شخصيات متناقضة في اليوم (لا مبالي، حكيم، طائش، رزين).

أعلم أن السبب هو أني أسعى جاهداً على حساب نفسي ومبادئي لجذب إعجاب الآخرين لاإراديا، وعلى دراية بكل أعراض الرهاب الاجتماعي التي أعاني منها حالياً، مثل: الارتباك عند التكلم مع أي أحد حتى لو هاتفياً، أو حتى مع أهلي، والشعور بأني مراقب حتى لو كنت بمفردي، تحقير لذاتي والشعور بأني ممل وكل ما سأتكلم به هو ممل، وأن من يتكلم معي يسدي إلي جميلاً، وأني دون الناس يرافقني عند القيام بأي عمل، وتصبح عندي حالة كره للناس.

علماً بأن ما أملك من مقومات يتمناها كثير من شباب جيلي، وأي شخص يقترب من عفويتي لو قليلاً يحبني فوراً، وهذا ما يزيدني تعاسة لأني لا أستطيع أن ألمس هذا الشيء بحياتي اليومية، بل العكس فأنا أشعر (بعد تفكير وتحليل طويل) أن مشكلتي الأساسية هي تحقيري لذاتي، لأني عندما أصادف موقفاً يثبت لي عكس ذلك تختفي كل المشاكل، ولكن مؤقتاً (يوم واحد) لجأت إلى هذا الموقع لحالتي المزرية الآن، ولأني أخسر ديني في كثير من المواقف، وخوفي من المرحلة القادمة؛ لأني بدأت أفكر بالموت، مع علمي أن هذا حرام، ويئست من الذهاب إلى طبيب نفسي، لأن حالتي لا تساعدني في وصف حالتي كما هي بتركيز، وأيضاً لسوء ظروفي حالياً.

سؤالي لكم: ما الذي أعاني منه؟ وهل كل مشكلة مستقلة عن الأخرى أم أنها مشكلة واحدة وباقي المشاكل مسببات؟ وهل الرهاب الاجتماعي يؤثر على صاحب المرض حتى عند تعامله مع أهله؟

أنا على استعداد لأخذ دواء حتى لو أن من آثاره الجانبية انعدام الذكورة، أهم شيء أن أخرج من هذا الوسواس وشتات التركيز والتوتر الشديد الدائم، وكأني في معركة، وعدم الشعور بأي شيء من حولي، وأن أخرج من حالة العجز؛ لأني كنت إنساناً طموحاً، والآن أهرب من كل شيء حتى من دوام الجامعة، وأستعيد أصدقائي والأشخاص الذين أحبوني وخسرتهم بسبب هذه المشكلة.

وشكراً لرحابة صدوركم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أؤكد لك أيها الفاضل الكريم أنني قد اطلعتُ على رسالتك بكل دقة، ومن سطورها الأولى حقيقة تشير أنك تعاني من حالة قلقية وسواسية، بعد ذلك ظهرت لديك جزئيات المخاوف، وهذا كله تولّد منه ما يمكن أن نسميه بعسر المزاج البسيط، هذا هو تشخيص حالتك، إذن أنت تعاني من قلق الوساوس البسيط، وهذه الحالات ليست حالات متباينة أو متنافرة، إنما هي متداخلة جدًّا، والتوتر وسوء التركيز هي من الإفرازات الرئيسية جدًّا للقلق الوسواسي.

استوقفني حقيقة ما ذكرته عن أنك تحقر ذاتك، هذا المسمى حقيقة لا يعجبني بل يؤلمني كثيرًا، وأعتقد أن المدرسة التحليلية والتي أنشأها (سجمند فرويد) ومن أتى بعده قدمت كثيرًا للإنسانية من الناحية العلمية، لكنها أيضًا أضرت بكثير من الناس وذلك من خلال صياغة مسميات حتى وإن لم يقصد بها المفكرون الأوائل معناها الذي يستعمله بعض الناس، إلا أنها قد أضرت بالناس كثيرًا.

الإنسان حين يقول أنا أحقر ذاتي، هذا قمة الاستسلام وقمة إهانة الذات، لماذا تحقر ذاتك؟ أنت لست أقل من الآخرين أبدًا، من الجميل أن يشعر الإنسان بالتواضع في تعامله مع الآخرين، لكن هذا لا يصل لمرحلة التحقير، من الجميل أن لا يزكي الإنسان نفسه فيما لا يجب، من الجميل أن يكون الإنسان مفيدًا لنفسه ولغيره، من المهم والضروري أن لا يحكم الإنسان على نفسه بمشاعره، ولكن يحكم على نفسه بأفعاله وما يقوم به، وهذا ينفي تمامًا تحقير الذات.

أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تنزع نزعًا هذه الفكرة، أنت لست حقيرًا في ذاتك، أنت طالب جامعي، أنت لك آمال في الحياة، أنت في هذه الأمة المحمدية العظيمة، أنت مفيد لنفسك وللآخرين، فقط يجب أن تنهض بنفسك وأن تحقر هذه الوساوس وهذا القلق وهذا الفكر السلبي، وكن حاذقًا ومجيدًا لإدارة الوقت، استفد من وقتك، استمتع بالراحة، استمتع بالقراءة، استمتع بالرياضة، تلاوة القرآن، الدراسة، قضاء وقت مع الصحبة الطيبة، تطوير المهارات الاجتماعية، حضور حلقات التلاوة، مساعدة الضعفاء، بر الوالدين، صلة الأرحام... هذه هي الحياة الطيبة، هذه هي الحياة الهانئة، هذه هي الحياة الإيجابية.

ليس هنالك مجال لشاب مثلك أن يتهم نفسه بتحقير الذات، أنا أقدر مشاعرك تمامًا، وأعتقد أن واجبي المهني والأخلاقي يحتم عليَّ أن أصر على الشباب مثلك أن ينهضوا ويشدوا من عزائمهم وأن يرفعوا همتهم، ولا يلتفتوا أبدًا لهذه المسميات التي أتتنا من هنا ومن هناك، نحن أمة لا تقبل التحقير، نحن أمة ليست أمة ضعيفة، نحن أمة قوية، وأنتم الشباب فيكم الأمل وفيكم الرجاء لا تحقر نفسك أبدًا، ذاتك طيبة وكريمة وقد كرمك الله وأعطاك كل المكونات التي متى ما استفدت منها سوف تغير ما بنفسك، قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا لا أمانع منه أبدًا، وأعتقد أنه سوف يفيدك، لكن الآلية العلاجية الأولى هي التزام ما ذكرته لك من إرشادات سلوكية، من أفضل الأدوية التي سوف تنقلك نقلة إيجابية من حالة الوساوس وضعف التركيز والقلق هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (زولفت) أو (لسترال) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين) وهو بالمناسبة جيد جدّا لعلاج الخوف الاجتماعي ولتحسين المزاج.

إذن إن شاء الله تعالى نصطاد كل هذه المكونات التي تزعجك بعقار واحد، فقط يجب أن تلتزم بالجرعة، وأن تلتزم أيضًا بالمدة العلاجية، وأن لا تتوقف عن الدواء حين تحس بالتحسن، وأن تدعم الدواء بالإرشادات السلوكية السابقة، جرعة (الزولفت) هو أن تبدأ بجرعة حبة واحدة ليلاً (خمسين مليجرامًا) تناولها بعد الأكل. إذا شعرت بشيء من الاسترخاء الزائد أو زاد نومك قليلاً في الأيام الأولى فأرجو أن لا تنزعج لذلك، هذا أثر جانبي يحدث لبعض الناس وقد لا يحدث للبعض.

استمر على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعها إلى حبتين في اليوم، يمكنك أن تتناولها كجرعة مسائية واحدة، أو حبة صباحًا وحبة مساءً، هذه الجرعة استمر عليها لمدة شهرين، ثم خفض الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها حبة واحدة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أرجو أن تتأمل في كل كلمة ذكرتها لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وأتمنى أن أسمع عنك كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر فتحي

    بارك الله فيك دكتور ...الصراحة كلام حضرتك كله تفاؤل و راحة بجد حسيت ان كلامك يكفي انه يكون علاج لوحده.... و اتمني للاخ الكريم صاحب الاستشارة النجاح و التفوق في حياته و التغلب علي ما يواجهه من عقبات باذن الله... اعلم ان هناك الكثير من الناس لهم نفس المشكلة فانت لست وحدك من يعاني منها المهم هو الاصرار و عدم الاستسلام ‎:)‎

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً