الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا طالب طب وأهلي لا يقدرون حجم الضغوط التي أشعر بها!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أدرس في السنة الأولى في الجامعة، عشت طفولةً سيئةً وقاسيةً جدًا بسبب المعاملة السيئة من قبل أهل والدي، وكانت أمي تجبرنا على زيارتهم لأنهم كانوا يريدون ذلك، أما الآن، فقد تغيرت معاملتهم نوعًا ما، لكنني أحس أن هناك نوعًا من الخداع.

المهم أنا الآن في بلدي للدراسة، ولكن من دون والدي، وأواجه ضغوطات كثيرة، حيث إن أمي تغضب إذا لم نذهب كثيرًا لزيارة أهلها، وأنا أدرس في مجال الطب، ومن الصعب توفير وقت مناسب لذلك.

مع العلم أنه كلما سنحت لي الفرصة أذهب لهم، ولكنني أواجه ضغوطات متكررة، تجعلني أكره الدراسة والحياة، وفكرت بالانتحار عدة مرات، وأوشك على فعل ذلك، ولكن خوفي من الله يردعني، كما تراودني أفكار غريبة، وأحس بالوحدة، وأن هناك أناسًا لا يستحقون محبتي، وجرحني أقرب الناس لي؛ مما أدى إلى انعدام ثقتي بالناس.

أشعر باليأس أحيانًا؛ فأهلي لا يقدرون حجم الضغوط التي أشعر بها، فأنا أتستر على الكثير من المواقف السيئة التي يفعلها معي أهل والدي؛ حتى لا أغضب أمي وأبي، وخوفًا على صحتهم، ولكنني أحس بأنهم لا يقدرون ذلك، ودائمًا ما تفسر أمي تصرفاتي بخلاف الواقع، وتسيء الظن بي، أصبحت أشعر باليأس، وأكره الحياة، وكل شيء.

أتمنى أن تنتهي حياتي حتى أتخلص من هذه المشاكل، فقد تغيرت شخصيتي كثيرًا، وأشعر بأن ما يحدث فوق طاقتي، ولم يعد بإمكاني التحمل، فهل من علاج يمكنني تناوله حتى يخفف عني بعض هذه المعاناة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ HEBA حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

كثيرًا بل غالبًا ما تسيطر على الإنسان أفكار خاطئة وسلبية، لأنها في الأصل قائمة على سوء التأويل، والفكر السلبي يتميز بأنه أقوى من الفكر الإيجابي؛ لذا تجدين أنه حتى وإن صغر حيز الفكر السلبي، فإنه يتضخم ويتعاظم ويتسع؛ مما يؤدي إلى مشاعر سلبية، خاصة لدى الشباب من أمثالك، وهنا تظهر الإشكالية في أن كل الجماليات والإيجابيات قد سقطت، وبقيت الجروح والتقرحات النفسية التي نشأت من الفكر السلبي.

أنا أتعاطف معك جدًّا -أيتها الابنة الفاضلة-، وأود أن أراكِ طبيبة متميزة في مجالك، ومن واجبي أن أسعى بقدر المستطاع لتذليل كل الصعوبات التي أمامك.

أنا أقول لك إنك لا تعانين من مشكلة أساسية، هذا لا يعني أنني أقلل مما تعانين منه، ولكنني أريد أن أنظر إلى الأمور بعين المستبصر، وأقول لك: إن كل الذي تعانين منه هو عدم القدرة على التواؤم، وعدم القدرة على التفاؤل، وعدم القدرة على التفكير الإيجابي؛ مما نتج عنه سوء التأويل لكثير من المواقف التي قد تكون عادية جدًّا، مثلاً طلب والدتك منك أن تذهبي وتزوري أهلها، هذا طلب جيد، وطلب مقبول جدًّا، والدتك تريد أن تراك كبيرة مسئولة وواصلة لرحمك، وهي تراك أيضًا ممثلة لها، تريد أن تكون فخورة بك.

أتفق معك أن الفجوة الجيلية ما بينك وبين والدتك قد تجعلك تفكرين بصورة أخرى، لكن كوني حذقة وكوني لبقة، ووفقي بين هذا وذاك، زوري أهلها بقدر ما تستطيعين، وتحيني المناسبات، واعتذري لها حين تكوني مشغولة، أو ضغوط الدراسة عليك كثيرة.

لا أريدك أبدًا أن تصفي طفولتك بأنها سيئة؛ لأن مثل هذه الأحكام السيئة تجعلك تنظرين إلى الحاضر وإلى المستقبل وإلى من حولك بصورة سلبية جدًّا.

لا أعتقد أن طفولتك كانت سيئة، الذي أعتقده أن المناهج التربوية تتفاوت بين الأسر، وظروف الناس تختلف، والبعض حين يُصاب بمجرد عسر في المزاج في وضعه الحالي يبدأ ويؤول أن ذلك كله مرده إلى طفولة قاسية وصعبة، وهذا ليس صحيحًا، فما يحدث في الطفولة من سلبيات وحتى الضغوطات الآنية هي تحديات، والحياة لا فائدة فيها بدون تحديات، والزاد الحقيقي من الناحية النفسية للإنسان لينجح هو من خلال قبول التحديات، وتفهمها ومحاولة وجود الحلول لها.

الإنسان يجب أن لا يكون خانعًا، يجب أن لا يكون مستسلمًا.

أنتم أيها الشباب مثلك أيتها الابنة حباكم الله تعالى بالطاقات النفسية والجسدية، وأنتم الآن في مرحلة المعرفة، والمعرفة هي من أفضل البنيات التحتية الأساسية التي يتزود بها الشباب.

أنا أريدك أن تنظري نظرة مختلفة، نظرة إيجابية لنفسك، أنا على قناعة تامة وأنت أيضًا مقتنعة بمحبة والديك لك، هذا أمر غريزي وجبلي وفطري، فقط كثيرًا ما نخفق نحن كآباء في أن نوصل محبتنا لأبنائنا؛ وذلك لأن المناهج التربوية مختلفة بين الناس كما ذكرت لك.

الحياة طيبة وجميلة، ويجب أن تنظري إليها هكذا، وزعي وقتك، استعيني بالله دائمًا، ابني علاقات وصداقات مع الصالحات من البنات، وسوء الظن وسوء التأويل ليس أمرًا جيدًا، وأنت مأمورة بحسن الظن في الآخرين، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم...}.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فأعتقد أنك سوف تستفيدين كثيرًا من أحد محسنات المزاج مثل عقار بروزاك، والذي يمكن أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة أربعة أشهر، ثم تجعليها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

لكني أفضل أن تقابلي أحد أساتذة قسم الطب النفسي، في الكلية الطبية الجامعية التي تدرسين بها، وسوف تجدين منه كل المساندة وكل الدعم.

حالتك يسيرة، فقط كوني إيجابية، وافهمي نفسك بصورة أفضل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً