الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تجد صعوبة في تربية أبنائها لتدخل العائلة، فما توجيهكم؟

السؤال

أختي متزوجة ولديها طفلتان (4- 6) سنوات، متعلمة، ولكن ليس لديها وظيفة, وهي ساكنة بجانب أهلي مما يجعلها هي وزوجها وبناتها الجلوس معظم الوقت مع أهلي، المشكلة هي أن أهلي يتدخلون في تربيتهم، وهم لا يريدون أختي أن تضرب بناتها أو حتى تخاصمهم، ومعظم الوقت يلومونها أمام بناتها، مما جعل بناتها لا يريدونها ويخافون منها، مع أنها تحاول بكل الطرق أن ترضي بناتها، ولكن تجد صعوبة في تربيتهم.

أختي تضربهم إذا رأتهم أخطئوا، وأهلي لا يرضون بالضرب، ما الحل لأختي؟ علماً أنها قررت الآن أن تجلس وتأكل الغداء في بيتها مع بناتها، فهل هذا حل؟ بنتها -4 سنوات- لا تريد أن تذهب مع أمها إلى الحمام، تريد أمي فقط، مما سبب لأختي الحزن.

أتمنى الرد، وشكرا جزيلا لكم، جعلها الله من موازين أعمالكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المغتربة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نحن نشكر لك هذا الاهتمام بأبناء وأطفال شقيقتك، ونشكر لك كذلك التواصل مع هذا الموقع، ونسأل الله أن يقر أعينكم جميعًا بصلاح هؤلاء الأطفال، وأن يلهمنا السداد والرشاد، وأرجو أن تتجنب هذه الشقيقة والدة البنات استخدام وسيلة الضرب في هذه السن، لأنها ستلحق بهم ضررًا كثيرًا جدًّا، فالضرب هو آخر الدواء، وآخر الدواء الكي، ولا يستخدم الضرب إلا في حالات متأخرة، وبتدرج جدًّا.

فالطفل نبدأ معه بالتغافل، ثم ننبه على الخطأ، ثم نعلمه الخطأ، ثم ننبه بعد ذلك، ثم نعنف، ثم نهدد، ثم نفرك الأذن، ثم بعد ذلك قد نأتي بالعصى ليشاهدها، وأرجو أن لا نضطر لاستخدام العصى، وإذا اضطررنا لاستخدامها فلابد أن نتأكد أن عمر الطفل أكثر من عشر سنوات، وأن يكون هناك ذنب يستحق أن يُضرب عليه، كما قال الإمام أحمد لما سئل أيضرب الصبيان: (على قدر ذنوبهم إذا بلغوا عشرًا) ليكون الطفل أيضًا مما تصلح معه هذه الوسيلة، أن نضرب بما لا يكسر عظًمًا أو يخدش جلدًا، أن نتوقف عن الضرب إذا بكى وهرب أو سألنا بالله أو ندم وتأسف، أن لا نضربه أمام من يحب من أقرانه أو أهله، أن يصاحب الضرب بتوبيخ أو إساءة أو شتم، أن لا يتخذ الضرب عادة، إلى غير ذلك من الضوابط الكثيرة التي لابد أن نعرفها قبل أن نستخدم هذه الوسيلة.

ولا شك أن وجود الإنسان مع أسرة كبيرة، هذا يعقد عملية التربية، ونرجو ونطلب من هذه الأم أن تصادق ابنها وأن تقترب منهم لتفوز بحبهم وتفوز باهتمامهم، وعند ذلك ستكسب الجولة بلا شك.

وعليها أن تتفاهم مع الجدة ومع من حولها، لأن يضعوا خطة موحدة للتربية وللتوجيه، وتتجنب معاقبة هؤلاء الأبناء أمام الجدة لأنها ستقول: (مساكين لماذا ضُربوا، أنت دائمًا تضربيهم، أنت مخطئة، من الذي كان يضربكم لما كنتم صغارًا؟) وهذا له آثار خطيرة جدًّا على هؤلاء الصغار، لأنهم يشعرون بأنهم مظلومين ويشعروا أن الوالد أو الوالدة ظالمة، ويشعروا أن الأم لا تحبهم، فأنت فوّتي هذه الفرصة، حتى لو حصل خطأ ما ينبغي أن تكون العقوبة في حضرة من يثبط بهذه الطريقة وفي حضرة كبار السن الذين غالبًا تسيطر عليهم الشفقة، وغالبًا تسيطر عليهم الرحمة الزائدة في كبر سنهم وفي أيام ضعفهم.

ونحن نتمنى أن تتعاملي مع الوضع بحكمة، وليس هناك داعٍ للانزعاج، وعندما ترجعين إلى بيتك حاولي أن تلاطفي الصغيرات وتنبهيهنَّ إلى خطورة ما يحصل إذا كانت هناك مخالفات، وعليك أن تتخذي أساليب غير مباشرة، فتأتي بألعاب جميلة في البيت، وتحسني لهؤلاء الصغيرات وتتعاملي معهنَّ بهدوء، وتذكري أنهنَّ في النهاية أطفال، والطفل ما سُمي طفلاً إلا لأنه مبتدئ في كل شيء، إلا لأنه لا يعلم جانب المصلحة، إلا أنه ميال إلى اللعب، إلا أنه كذلك عنده شيء من المحاكاة، فعليك أن تكوني المؤثر الأكبر، وأرجو كذلك أن تتفاهمي مع الزوج بحيث تجعلوا لهؤلاء الصغار برامج تخرجوا بهم من البيت، تصحبونهم إلى أماكن أخرى، تجولون مع أطفال صغار على خلق ودين وطاعة لله تبارك وتعالى، والإنسان ينبغي عن أسر فيها الخير وفيها حسن التربية ليجعل أطفاله معهم.

ونتمنى كذلك أن لا تظهري عجزك، فلا تقولي أنا لا أستطيع، ماذا أفعل الآن، لأن إعلان العجز أيضًا يعمق الظاهرة، عليك أيضًا أن تنتبهي للطريقة التي تأمري بها البنيات، فلا تكثري عليهنَّ، واجعلي الأوامر واضحة قصيرة ونبرة هادئة، وحاولي أن تتعاملي معهنَّ بلطف، حتى تنحاز البنيّات لك، فأنت أم، وأنت عندهنَّ صاحبة منزلة رفيعة، فلا تجعلي فرصة الحنو والعطف والشفقة والتسامح لغيرك.

ونحن قطعًا لا نؤيد فكرة الانفصال بهذه الطريقة، ولكن لا مانع أن يحدث ذلك تدريجيًا كأن يخرجوا يومًا لبرنامج آخر، وأن تشغليهم في اليوم الثاني بأشياء مفيدة، وأن تأتي إلى البيت بألعاب جاذبة، وأن تشاركي بنياتها في اللعب والملاطفة، وأن تهتمي بمسألة التواصل الجسدي، فتمسحي على شعورهنّ وتقبلي خدودهنَّ وتحضنيهنَّ، فإنهنَّ عند ذلك سيكون عندهم انحياز للأم، وأرجو أن تجربوا هذه الوصفة، خاصة مسألة التواصل الجسدي والثناء على الصغيرات، وتلبية ما نستطيع وما هو ممكن وما هو معقول من الطلبات.

وكذلك أيضًا الإحسان إلى هؤلاء الصغيرات، وتجاوز بعض المواقف، واختيار الوقت المناسب لعلاج المشكلات، إذا كان هناك من يتكلم ومن يرفض الضرب ويرفض الإهانة ويرفض العقوبة، فليس من الحكمة كما مضى معنا أن نعاقب الصغار أمامهم، وأرجو أن لا تعلنوا قرار هذا، لأن هذا يدخل الحزن على أهل الزوج وعلى تلك الجدة الكبيرة التي تسعد بوجود هؤلاء الصغار إلى جوارها، ولا مانع أن تطلبي من زوجك أن يخبر الوالدة ويكلم الوالدة بضرورة أن تتعامل مع هؤلاء الصغار بحكمة، وأن تراعي الجوانب التي يهتم بها الأب وتهتم بها الأم، لأن الاتفاق على خطة موحدة ومنهج واحد من الأمور التي تعين على النجاح في التربية، وليس في الأمر ما يدعو للإزعاج، فلا يزال هؤلاء البنيات في سن صغيرة قابلة للتوجيه وللنصح، شريطة أن يكون النصح كما قلنا في توقيته الصحيح بألفاظ صحيحة بنظرات هادئة مصحوبة بالحب والابتسامة واللمسات الحانية.

نسأل الله أن يصلح لنا ولك النية والذرية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً