الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عصيت الله كثيرا حتى أني أخاف أن أترك الالتزام، هل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت قد التزمت منذ سنة تقريباً، ولكن بعدما تشربت من وحل ما قبل الالتزام على الحقيقة، والمصيبة أني ما زلت أحب تلكم المعاصي وأقع فيها وأتوب، وليست بالمعاصي الهينة، ولم تعد الموعظة تنفعني، ولا القرآن ودخلت في مرحلة التهاون في الفرائض، وصارت المعاصي لا تؤلمني، بل الألم كل الألم أني أخاف أن أهجر الالتزام بالكلية، وما خفي كان أعظم.

ألتمس منكم النصيحة، وأرجو من الله أن تكون خالصة لوجهه، وأن أنتفع بها وكل من هو غارق في هذا الوحل معي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونبشرك بأن هذا السؤال دليل على أنك تسير في الطريق الصحيح، واعلم أن الشيطان لا يترك الإنسان يتوب، لأن الشيطان يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعامل هذا العدو بنقيض قصده، واعلم أن الله غفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى، وأنه ما سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ولكننا مع ذلك نذكرك بأن العظيم سبحانه يمهل ولا يهمل، وأنه يستر على الإنسان ويستر عليه، فإذا لبس للمعصية لبوسها وبارز الله بالعصيان هتك ستره وخذله وفضحه، وحال بينه وبين الرجوع.

فاعلم أن مكر الله -تبارك وتعالى- بالمسيء، ولذلك الإنسان ينبغي أن ينتبه لنفسه، وأن يتوب توبة نصوحا، واعلم أن التوبة النصوح تبدأ أولاً بأن يكون الإنسان صادقًا فيها، فإن توبة الكذاب هو أن يقول تبت وهو يشتاق للمعصية ويُفاخر بها ويحتفظ بذكرياتها وآلاتها وأرقامها، ويعيش في أماكنها وبين رفاقها، لذلك نتمنى من كل من تاب أن يهجر بيئة المعصية، وأن يهجر رفقة المعصية، وأن يبدأ رحلة إلى الحسنات، فإن الحسنات يُذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين.

هذه الخطوات لابد من الاهتمام بها والقيام بها، وأنت -ولله الحمد- سرتَ في خطوات لا بأس بها، وعليك أن تُكمل هذا المشوار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك لما يُحبه ويرضاه.

ومما يعينك على الثبات على الخير: أولاً تغيير الرفقة وتغيير البيئة، وشغل النفس بالحسنات الماحية، وصدق اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والإنابة إليه سبحانه وتعالى.

كذلك ينبغي أن تتذكر أن الموت قد يهجم على الإنسان في أي لحظة من اللحظات وفي أي وقت، قد يأتيه داعي الموت ويأتيه الأجل، فاحذر أن يأتيك الموت وأنت في معصية لله تبارك وتعالى، فهذا رجل قال لإبراهيم ابن أدهم: لا أستطيع أن أتوب؟ فقال له: إن أردت أن تعصي الله فابحث عن مكان لا يراك الله فيه، قال: وكيف والله لا تخفى عليه خافية؟ قال: فكيف تعصي الله والله يراك وهو ناظر إليك؟ قال: يا هذا إن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه؟ قال: ومن أين آكل والأرزاق كلها بيد الله وهي من الله؟ قال: ما تستحي من الله تأكل من رزقه وتعصيه وهو يراك؟ قال: يا هذا إن أردت أن تعصي الله تبارك وتعالى فلا تسكن في أرضه؟ قال: وأين أسكن والأرض كلها لله؟ قال: ما تستحي من الله تعصي الله وهو يراك وأنت تأكل من رزقه وتسكن في أرضه، قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تستجب ولا تذهب مع ملائكة العذاب؟ قال: وكيف وهم غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟

فإذن ينبغي للإنسان أن يتفكر في عواقب هذه الأمور، ويُدرك أن الموت يتخطف الناس بين كل لحظة وحين، ليس له عمر محدد، ليس له مرض محدد، ليس له تمييز على أحد، بل قد يأتي للصغير قبل الكبير، وقد يأتي للشاب قبل الهِرم، وقد يأتي للصحيح قبل المريض، وقد يأتي للقوي قبل الضعيف، وإذا حملت إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول.

فالإنسان بحاجة إلى أن يقف مع نفسه -يا ابننا الكريم- راجع نفسك، تب إلى الله تبارك وتعالى، اجعل توبتك توبة نصوحا، حاول دائمًا أن تتخلص كما قلنا من آثار المعصية، كما قال لقاتل المائة: (ولكنك بأرض سوء فانتقل لأرض كذا وكذا فإن بها أقوامًا يعبدون الله تبارك وتعالى فاعبد الله معهم) وهنا تغيير للبيئة، وتغيير للرفقة، وهذه أمور أساسية تعين على الثبات.

كذلك أيضًا ينبغي أن تحشر نفسك مع الصالحين، ينبغي إذا ذكرك الشيطان بالمعصية أن تُجدد التوبة، تجدد الأسف والندم، ينبغي أن تتخلص من كل ما يُذكرك بالمعصية، بذكرياتها، إذا كان هناك أرقام، إذا كان هناك كذا، تتخلص من من الرسائل والبريد الالكتروني التي تذكرك بالمعاصي، كل ما يذكرك بالمعصية وأيامها تتخلص منها.

ثم بعد ذلك عليك أن تُدرك أن الشيطان يأتي للإنسان ليُحزنه، يقول له (أنت ما تبتَ، وأنت كذا وأنت كذا) فتذكر أن هذا عدو، همه أن يَحزُن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئًا إلا -بإذن الله-.

تذكر أن الله أمرنا أن نتخذ الشيطان عدوًّا، فلا تتخذ هذا الشيطان صديقًا، عامله بنقيض قصده، حتى تفوز بالأجر والثواب عند الله -تبارك وتعالى-، فإن الله أمرنا بمعاداة الشيطان وبطاعته -سبحانه وتعالى-.

نسأل الله لك الثبات والسداد، وأن يلهمك الرشاد، ونحن سعداء بتواصلك مع الموقع، وإذا ذكرك الشيطان بالمعصية فجدد بالتوبة، وأكثر من الاستغفار، فإن هذا يغيظ هذا العدو، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

وللفائدة راجع وسائل الثبات على التوبة: ( 249423- 246818 - 228333 - 293842 - 2131236 ).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً