الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتمنى أن أستمتع بشبابي وحياتي بشكل طبيعي.. أفيدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 25 سنةً، أعمل مدرسة أطفال، وفي نفس الوقت طالبة ماجستير في الجامعة، وزني 42 كيلوغرامًا، وطولي 159 سنتيمترًا.

1- أعاني من إحباط دائم ومستمر وفقدان الرغبة في الحياة. أكره الذهاب إلى المدرسة يوميًا وأشعر بألم شديد أثناء الدوام.

كما يراودني شعور بعدم الجدوى من الذهاب إلى الجامعة وإكمال دراستي. أشعر باستمرار بعدم القيمة وعدم الاستمتاع بأي شيء، يصاحب ذلك مزاج متدنٍ، بل إنني أنظر باستغراب لمن يعمل بجد ونشاط، وأتساءل كيف استطاع كبار السن تحمل مشقة الحياة كل هذه السنوات؟

يراودني دائمًا شعور بالذنب وبأنني غير مرغوبة في محيطي، ومعضلتي الكبرى هي شعوري بأن الله غير راضٍ عني، فكيف لي أن أجد حلاً لهذه المشاعر؟

أنا إنسانة مرهفة الحس، ويقتلني الفراغ العاطفي والوحدة النفسية؛ لذلك، أتعلق بشدة بكل من يعيرني أدنى اهتمام، كما أنني لا أطيق أن يكرهني أحد أو يغضب مني.

2- كثيرًا ما يتقلب مزاجي ما بين الحزن 30%، وعدم الرضا عن الواقع 9%، والخوف وعدم الأمان 30%، الارتياح 5%.

لدي نوع من الخوف الاجتماعي غير الظاهر بشكل كبير، ولذلك أشعر بشد عصبي وتوتر عند التعامل مع الآخرين. وعلى الرغم من شهادة الناس بأنهم يحبون التعامل معي، ويطلعونني على مشاكلهم الخاصة، ويثقون بي لرقة تعاملي والتزامي الديني، إلا أنني أقضي أكثر من نصف وقتي في صمت مصحوب بعدم الرضا. حركاتي بطيئة وتفتقر إلى الحيوية، وإنتاجيتي أقل من المتوسط، ودائمًا ما أكون متأخرة في مجال التدريس والدراسة على حد سواء.

3- أقضي ما يقارب 40% من وقتي في أحلام اليقظة وتخيل مواقف مفتعلة تمنحني سعادة مؤقتة، وذلك بالرغم من ارتباطي القوي بالواقع. لم أستشر طبيبًا ولم أتناول أي علاج إطلاقًا؛ لأن ذلك يعتبر غير مقبول في مجتمعاتنا.

4- بدأت أشعر بذلك منذ حوالي سبع سنوات تقريبًا.

5- أنا قادرة على إخفاء كل ما ذكرته، بل أمتلك قدرة عالية على ذلك. سمحت فقط لخاطبي بالاطلاع على جزء يسير مما أعانيه بحكم الحب الذي كان بيننا، ولكنه سرعان ما تركني وذهب ليبحث عن فتاة تفيض حيوية ونشاطًا.

6- لم أرغب في الخوض في دوامة الأسباب، أو المحفزات التي أوصلتني إلى هذه الحالة وجعلتني أعاني كل هذا العناء. لقد تهت بين الكثير من الافتراضات، وفي النهاية، الله تعالى أعلم بالحقائق.

أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن أتمكن من أن أعيش حياتي بشكل طبيعي، والاستمتاع بشبابي، والمساهمة في عمارة الأرض التي استخلفنا فيها؛ لذلك: أرجو منكم المساعدة وأنا على استعداد لأي استفسار.

ولكم مني فائق الاحترام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك واضحة ومعبرة جدًا، وشعورك بالإحباط والحزن والكدر عبّرتَ عنه بصورة جلية، وأنا أرى أن المشكلة الرئيسية لديك هي المشكلة المعرفية؛ فالفكر السلبي يسيطر عليك سيطرةً مُطبقة، وهذا جعلك تنظرين إلى كل شيء بعدم الرضا وافتقاد للتفاؤل، بل التشاؤم في معظم المواقف، وهذه إحدى المشكلات الكبرى –أي الاضطراب المعرفي الذي يسبق الاكتئاب النفسي–، بمعنى أن علّة المزاج ليست هي العلّة البادئة، أو التي ظهرت أولًا، إنما هي علّة ثانوية سبقها التفكير المعرفي السلبي؛ لذا يرى كثير من علماء النفس –وعلى رأسهم أحد السلوكيين المشهورين (آرون بيك)– يرون أن تفكيك الشبكة المعرفية السلبية، واستبدالها بأخرى إيجابية هو السبيل والحل لعلاج مثل هذه الحالات.

وأنا حقيقةً أود أن أذكّركِ بذلك، أن تنظري بمنظار جديد لنفسك، وتقيِّميها تقييمًا مُنصفًا، أنتِ لديك إيجابيات عظيمة، وحتى إن كان كلامي هذا سطحيًا، لكني أريدكِ أن تنظري فيه بعمق؛ لأنها قيمة علمية حقيقية -أي موضوع تفكيك الفكر السلبي واستبداله بفكر إيجابي–، أنتِ إنسانة مُلتزمة ومحترمة، ومن الواضح جدًا أن معرفتك ومقدراتك عالية، ولديكِ عمل، ولديكِ تواصل علمي من أجل المزيد من المؤهلات، وهذا يجب أن يكون دافعًا إيجابيًا.

والفكر السلبي أيضًا يتم تفكيكه من خلال ألا يحكم الإنسان على نفسه بمشاعره أو عواطفه، إنما تكون له القوة والإرادة التي يُدير بها وقته من خلالها بصورة ممتازة، ويكون مُنجزًا، ومن خلال ذلك يستطيع أن يحكم على نفسه من خلال أفعاله، وحين يُشاهد ويرى أمام ناظريه المردود الإيجابي العظيم، هنا تتبدل المشاعر وتتغير.

إذًا: عليكِ بهذا المنهج، وأنا أعتقد أنكِ لو تواصلتِ مع أخصائية نفسية، ذات معرفة بالعلاجات السلوكية المعرفية فسوف تستفيدين منها كثيرًا، هذا من جانب.

من جانب آخر: أرى أيضًا أن تناولكِ لأي دواء مضاد للاكتئاب والخوف سيُحسِّن من مزاجك، وهذا سيكون أمرًا مرغوبًا؛ لأن عُسر المزاج حتى وإن كان ثانويًا –وأقصد بذلك أن الخلل المعرفي هو الأساس– في مثل هذه الحالة، وأيضًا التغيرات البيولوجية لا بد أن تكون قد طالت خلايا الدماغ، ومن ثم تصحيح المسارات الكيميائية –وخاصة الخاصة بمادة السيروتونين–، أعتقد أن ذلك مطلوب، فمن خلال مقابلتكِ للطبيب أنا متأكد أنه سوف يوافق على فكرة إعطائكِ أحد الأدوية المضادة للمخاوف والقلق، ومن أفضلها عقار (زولفت، Zoloft) والذي يُعرف علميًا باسم (سيرترالين، Sertraline).

هذا هو الذي أود أن أنصحكِ به، ورسالتكِ أعجبتني كثيرًا، وأسأل الله تعالى لكِ العافية والشفاء، والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً