الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أعرف كيف أعيش, فقد تركت دراستي وعملي وليس لدي أمل في الحياة

السؤال

كنت أعمل وأدرس في الجامعة، ولكنني الآن تركت الدراسة والعمل؛ والسبب أني منذ أن نجحت في الثانوية العامة ذهبت إلى الجامعة, وأصبح لدي شعور غريب بعدم الارتياح من الآخرين، والخوف من المشاكل، وتطورت معي هذه الحالة حتى خرجت من الجامعة، وتركت العمل، وأصبحت حالتي تسوء وتسوء، وأصبحت ملازمًا للبيت لا أخرج لأي مكان، وكنت أذهب إلى صديقي فقط، ولكن مع الوقت أصبحت لا أستطيع الذهاب إليه، وأطلب من أصدقائي أن يأتوا إلى بيتي بدل أن أذهب إليهم، ولكني بعدها بوقت قليل أصبحت لا أطيق الجلوس مع أي أحد، وأصبح التفكير يسيطر عليَّ، وصرت أفكر في الماضي، وأخاف أن يرجع عليَّ بسوء، وصار خوفي من الناس شديدًا، ويخيل إليَّ أن الناس يريدون أن يؤذوني، وأني إذا خرجت من البيت فسأقع في مشكلة مع أحد ما.

أفكر بأن كل الناس يكرهونني ويريدون بي الشر، فأصبحت أتمنى الموت؛ لأنني في عذاب كل يوم، وأتألم بشكل كبير خوفًا من المصائب، وقلبي يشتعل بنار الألم، وأشعر أن عليه ضغطًا كبيرًا، وأحيانًا أشعر كأنه توقف عن الخفقان.

أخاف كثيرًا من تجدد الماضي، وقد ذهبت إلى عدة أطباء، وقال لي أحدهم: إن معي القولون العصبي، وأعطاني الدواء، ولكن حالتي لم تخف, بل زادت، وأحد الأطباء قال لي: إن معي التهابًا في رأس المعدة، وأعطاني الدواء ولم أخف, بل زادت حالتي.

أحيانًا أؤذي نفسي من شدة التفكير الذي يؤلمني، ومن توقعاتي السيئة لحاضري ومستقبلي.

أنا الآن لا أعرف كيف أعيش, فقد تركت كل حياتي، وعملي, وجامعتي، ولا أعرف ما الحل؟ ولا آكل كثيرًا, فنفسي مسدودة عن الأكل دائمًا، ولا أستطيع النوم، وأنا في أرق شديد دائمًا، ووجع في القلب، وأحيانًا أشعر بتخدر جسمي عندما تزيد الحالة، ولا أعرف الأمل, ولا التفاؤل، أحاول ولكنني أفشل، وأصلي - والحمد لله - وأحيانًا لا أجد الراحة إلا في الصلاة، ولكن الوقت الأكبر في الألم.

أعرف أنه لن يصيبني إلا ما كتب الله لي، وأؤمن بهذه الآية، ولكن الوسواس يسيطر عليَّ لمجرد حدوث مشكلة صغيرة وتافهة، فأحسب لها حسابًا كبيرًا، وأوليها الاهتمام الأكبر، وتؤثر عليَّ كثيرًا، وصرت أخاف من الأصوات العالية، وأصوات السيارات، وأتضايق إذا سمعت الصراخ, هذه حالتي، فأرجو المساعدة، فأخوكم في أمسِّ الحاجة للعون.

وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن الانسحاب الاجتماعي الذي اتخذته وسيلة لأن تبتعد عن الدراسة والعمل وتنقطع وتنزوي اجتماعيًا، هو الذي جعلك تحس بهذا الإحباط, وعدم الشعور بالفعالية، والشعور بالفشل؛ لأن الشعور بالفشل حقًّا هو شعور سخيف جدًّا، ومؤذٍ للنفس مؤلمٍ لها.

أنت بالفعل لديك قلق الوساوس، ولديك قلق المخاوف، ولديك هذا العسر المزاجي الذي تحدثنا عنه، وأعراضك الجسدية - من وجهة نظري - مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بحالتك النفسية القلقية.

أيها الفاضل الكريم: أعتقد أن الحلول موجودة، وأرجو أن تتفق معي على ذلك.

أولًا: أنت - والحمد لله تعالى - صغير في السن -21 سنة - وأنت في بدايات الحياة الحقيقية، ويجب أن تنطلق من هذا العمر، نعم, كان من المفترض أن تكون على وشك التخرج من الجامعة أو شيء من هذا القبيل، لكن ما حدث قد حدث، وعليك الآن أن تجمّع طاقاتك، وأن تضع خارطة طريق لنفسك، وتعيش حياة طبيعية، وهذا ممكن.

النقطة الثانية هي أن تتعالج، فاذهب إلى طبيب نفسي مباشرة؛ لأني أرى أنك في حاجة لدواء مضاد للاكتئاب والخوف والقلق والوساوس، أقولها لك بصورة مباشرة جدًّا، وهذه الأدوية نافعة جدًّا، ولن تحل كل مشاكلك بالطبع، لكن الدواء يُمهّد لك من خلال إزالة القلق والتوتر, وتحسين المزاج، ويُمهد لك أن تدير حياتك بصورة أفضل، وأن تنظر إلى المستقبل بإيجابية.

فيا أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تبدأ في تناول أحد الأدوية المضادة للاكتئاب, وللوساوس, والقلق, والخوف، وهذه الأدوية كثيرة وفاعلة، ولا بد أن تلتزم بالجرعة التي تُوصف لك، وكذلك مدة العلاج.

ثالثًا: لا بد أن يكون لك برنامج تدير من خلاله وقتك، وأنا لا أقول لك: انطلق بحيوية مطلقة من غدٍ لتغيّر حياتك، فهذا ليس ممكنًا، لكن التدرج ممكن قطعًا.

ضع لنفسك جدولًا، فاكتب هذا الجدول، وحدد فيه معالم رئيسة، بأن تخرج - مثلًا - وتصلي مع الجماعة، أو أن تزور أحد أصدقائك، وأن تستشير أحد العارفين بأمور التعليم - مثلًا - وإن لم يكن هنالك إمكانية للتعليم فابدأ في البحث عن عمل، وهكذا رويدًا رويدًا، لكن بإصرار وعدم تراخ تستطيع أن تبدل حياتك.

رابعًا: لا بد أن تجعل للرياضة نصيبًا من حياتك، فالرياضة تقوي النفوس، وتقوي الأجسام، وترتب الوجدان، وتنظم العواطف، وتُشعرك بالحيوية والفعالية، فلا تُهملها ولا تتجاهلها، ودعها تكون جزءًا من حياتك.

هذا ما أود أن أقوله لك، وإن كانت نقاطًا مختصرة، لكني أعتقد أنها شملت على كل ما يمكن أن تقوم به, وتستدرك نفسك، فالماضي هذا مجرد عبرة، ومن وجهة نظري انتهى، لكن يجب ألا يضيع منك الحاضر والمستقبل، وهذا بيدك تمامًا، وإرادة التغيّر يجب أن تتوفر لديك، وموضوع التخوف من الناس والشكوك في الناس ناتجة من وضعك الذي تعيش فيه، وبعد أن يتحسن المزاج - إن شاء الله تعالى – سوف تحدث لك الألفة مع الآخرين، وتتقبلهم، وهم سوف يتقبلونك - لا شك في ذلك - لأن الناس تريد شخصًا فعالًا؛ لتتعرف عليه، ولتستفيد منه، وهكذا.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً