الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت الأمل بسبب الاكتئاب الملازم لي، فكيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أطلب استشارتكم لحاجتي الماسة إلى النصح بسبب الحزن والكآبة التي تسيطر علي حياتي.

منذ طفولتي وحياتي عبارة عن سلسلة من الاستهزاء من الآخرين، بسبب حجم أنفي، وشكلي، فكل من حولي أساء إليّ، حتى أمي؛ دعوت الله كثيرًا، لكني مؤخرًا فقدت الأمل في أن يتغير حالي إلى الأفضل، وفقدت حتى قدرتي على الدعاء، وإن دعوت الله أن يفرج همي لا أكون واثقةً في أنه سيستجيب لي.

في السنة الماضية أصبت بمرض سرطان الثدي، وصبرت، وأنهيت العلاج الكيماوي والأشعة -والحمد لله-، وأعاني كثيرًا بسبب التبعات النفسية للمرض؛ لأنني فقدت شعري، وعندما أنظر في المرآة أشعر بالمرارة والحزن العميق على حالي، وتمنيت كثيرًا لو لم يكن الانتحار محرمًا لأنهي حياتي وأرتاح.

أنا أقدر النعم التي أعطاها الله لي، ولكن الهم والحزن أتعبني، كل أمنيتي في هذه الحياة أن أجد زوجًا صالحًا يشاركني وحدتي، ويزيل عن عاتقي ما أهمني، ولكن من سيرضى بالزواج بي بعد أن يعرف بأمر مرضي؟

تعالجت، ولكن الفحوصات الجينية أظهرت بأني أحمل خطأً جينيًا سيزيد من خطر إصابتي بسرطان الثدي والمبايض في المستقبل، وأن أبنائي سيكونون معرضين للإصابة بالمرض أيضًا.

كما أن هناك احتمال أن أصاب بالعقم بسبب العلاج الكيماوي الذي أخذته، فمن سيرضى بالزواج بي بعد أن أصارحه بكل هذا، هذا إن تقدم لي شخص؛ فنحن نعيش في بلد أجنبي، وفرص الاختلاط تكاد تكون معدومةً.

فكرت أن أشغل نفسي بالقراءة والدراسة، وأنا أدرس الماجستير الآن، وبالرغم من جدولي الدراسي المشغول، إلا إن الألم يعتصر قلبي جل وقتي، وأفكر كثيرًا في حياتي ومشاكلي، فلا أقوى على إكمال واجباتي الدراسية.

أسرتي لا تقدم لي الدعم النفسي حتى أثناء مرضي؛ فقد كنت وحيدةً في معاناتي، غير أن أمي أظهرت القليل من الاهتمام، بينما والدي وإخوتي لم يهتموا بي أبدًا، وطلبوا مني ألا أخبر أحدًا بمرضي، فلم أفعل ذلك، ولم يقدموا لي الدعم، ولم يعطوا الفرصة لغيرهم كي يفعل ذلك، وأنا من دفع ثمن ذلك.

مشكلتي: أحس أني فقدت الأمل والثقة في الله، وهذا الإحساس يرعبني، ولا أريد أن تتأثر ثقتي بربي بسبب هذه الأمور الدنيوية، ولكنني لا أستطيع أن أسيطر على همي وحزني، والضغط النفسي الذي يسببه لي الآخرون أثر كثيرًا علي.

الكل يعاملني بطريقة وكأن ليس لدي مشاعر، ويجرحونني بتجاهلهم، ومقارنتهم الدائمة لي بأختي، لا أدري ماذا أفعل؟

أواظب على صلاتي، وقراءة القرآن، وأستمع إلى المحاضرات الدينية عن رحمة الله والصبر، ولكن لحظات اليأس أصبحت تسيطر على كل حياتي.

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Eman حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج همك، ويزيل كربك، وأن يعجل لك بالشفاء من كل آفة ومرض.

نحن نحس –أيتها الأخت الكريمة– بالمعاناة التي تعيشينها، ولكننا نخالفك في كيفية التعامل مع هذه المعاناة التي أنت فيها؛ فأنت إذا كنت قد أُصبت بشيء من المكروهات فهذا ينبغي أن يُفهم فهمًا صحيحًا، وأن تعرفي قدر نعمة الله سبحانه وتعالى بالبلاء كنعمته سبحانه وتعالى بالعافية؛ فكونه سبحانه وتعالى ابتلاك ببعض ما تكرهين، فليس في ذلك دلالةً أبدًا على بُعدك عن الله تعالى، وعلى أنه لا يريد بك خيرًا، بل الأمر بخلاف ذلك تمامًا.

لقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وأخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم– في أحاديث صحيحة عن أن الابتلاء ينزل بالصالحين والمحبوبين لله سبحانه وتعالى، وعلى رأس هؤلاء أنبياء الله تعالى ورسله، لقد قال لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم)، وقال لنا: (يُبتلى الناس على قدر دينهم، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وأخبرنا بأنه (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة متوافرة -أيتها الكريمة-.

اقرئي كتاب الله سبحانه وتعالى، وستجدين أن من أنبياء الله من ابتلي بالآفات والأمراض، ومنهم من ابتلي بغير ذلك من أنواع الابتلاءات الشديدة التي نزلت بهم، لكن كل هذا كان سببًا لزيادة قربهم من الله تعالى.

إن الدنيا هذه التي نعيشها -أيتها الأخت الكريمة– ما هي إلا مرحلة قصيرة من أعمارنا، وربما تكون النهاية فيها قريبةً جدًّا، ومن ثم لا ينبغي للإنسان المؤمن، والمرأة المؤمنة أن تعطي هذه الدنيا أكبر من حجمها.

إننا في مرحلة امتحان، قد تقصر وقد تطول، والفائز فينا من يخرج من هذا الامتحان بما يريده الله عز وجل منه من النتائج، وفي هذه الدنيا تتنوع الامتحانات، فبعضنا يمتحن بالنعماء، وبعضنا يُمتحن بالضراء، وعلى الإنسان العاقل أن يحاسب نفسه في كل موقف عمّا يريده الله عز وجل منه في هذا الموقف.

إن الله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا وأمهاتنا، وهو سبحانه وتعالى قادر على تحقيق مصالحنا على الوجه الأكمل والأتم، وقادر على أن يبلغنا ما نحب ونتمنى، ولكن ليس كل ما نحبه هو مصلحتنا.

ومن ثم، فعلمك وإدراكك لهذه الحقائق -أيتها الأخت الكريمة– يهون عليك هذه المصائب التي أنت فيها، ويجعلك تعيشين حياة الرضا والسعادة، فكل ما يقضيه الله عز وجل ويقدره لك هو الخير، وإن كنت لا تدركين أنه الخير، والله عز وجل يقول: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم}.

نصيحتنا لك -أيتها الأخت والبنت العزيزة- أن تتوجهي إلى الله سبحانه وتعالى بصدق واضطرار، وتفوضي أمورك إليه، وتسأليه سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يلطف بك، ويرحمك؛ فإن الدعاء من الأسباب التي تُستجلب بها النعم، وتُستدفع بها النقم، فخذي بهذا السبب، وارضي بما يُقدره الله تعالى ويقضيه؛ فقد يعطيك ما تسألين إذا علم أن الخير في ذلك، وقد يدخر لك الثواب إلى الآخرة لأنه يعلم سبحانه وتعالى أن ذلك خير لك، وحينها ستعلمين أن ما أنت عليه من الثواب، وما ادخرته لنفسك من الدرجات والمنازل عند الله تعالى، خير من الدنيا وما عليها.

من الخطأ -أيتها البنت الكريمة– أن نختزل سعادتنا، أو أن نصنف أنفسنا على أننا من السعداء، أو المحرومين الأشقياء، من الخطأ أن نختزل الحكم هذا كله فيما نُعطى أو نُمنع منه في هذه المرحلة القصيرة من العمر.

إن من وراء هذه الدنيا حياةً طويلةً، وحياةً أبديةً، وحياةً دائمةً مزرعتها في هذه الدنيا، وكلما كان الإنسان أشد بلاءً في هذه الدار وصبر، كان الأجر، وكانت المثوبة، وكانت المنزلة في الدار الآخرة أرفع وأعظم، وحينها ستدركين عظم نعمة الله تعالى عليك بما أنت فيه.

أنصحك –أيتها الأخت والبنت العزيز – بأن تأخذي بالأسباب من التداوي، وإذا تقدم لك من ترتضين الزواج به فتزوجيه، ولا يلزمك إخباره بهذه العيوب؛ لأن هذه العيوب ليست منفرةً، واصبري، واحتسبي، وداومي على الدواء والذكر، وأشغلي نفسك بما ينفعك من أمر الدين أو الدنيا، وأمّلي في الله تعالى خيرًا، وأحسني ظنك به؛ فإنه يقول: (أنا عند ظنّ عبدي بي)، وفي رواية: (من ظنَّ خيرًا فله، ومن ظنَّ شرًّا فله).

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجبرك، وأن يعوضك عن كل فائتٍ بخير منه، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً