الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أداوم على 75 مج من الأنفرانيل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا طالب جامعي، كنت متابعاً جيداً للاستشارات النفسية التي يطرحها الناس، بخصوص بعض المشاكل التي يمرون بها في حياتهم، فاستنتجت من هذه الاستشارات أني أعاني من الرهاب الاجتماعي، والاكتئاب، مما يسبب لي ارتباكاً أمام الناس، وتزايد لدقات القلب، وحالة من االتشويش الذهني، والتركيز، وأحياناً صعوبة في الكلام!

قررت استخدام دواء الانفرانيل 75مج، لأن هذا العيار المتوفر بالسوق فقط، وبدأت بتعاطيه منذ يومين بمقدار نصف حبة ليلاً، وشعرت بالتحسن من أول حبة فأنا الآن لا أخشى مواجهة الناس، وأصبحت أشعر بالسعادة طول اليوم، ولا أجد صعوبة نهائياً بالكلام، فهل أداوم على هذه الطريقة أم ماذا؟

شكراً جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

حقيقةً لا أفضل كثيرًا أن يُشخص الناس أنفسهم بأنفسهم، هذا لا يعني أن الناس قاصرة في معرفتها أو اطلاعاتها، لكن هذه الحالات النفسية متداخلة جدًّا، وأحيانًا يكون الأمر تفاعلاً نفسيًا طبيعيًا جدًّا يأخذه صاحبه كعلة أو كمرض أو كمسمّى تشخيصي معين، أنا بالطبع أحترم وجهة نظرك تمامًا في أن ما تعاني منه بالفعل قد يكون درجة بسيطة جدًّا من الخوف الاجتماعي.

كلمة الاكتئاب أعتقد أنها كبيرة، -إن شاء الله- أنت لست مُصابًا به، إن شعرت بشيء من عدم الارتياح أو عسر المزاج في بعض الأحيان فهذا يجب أن نعتبره في دائرة أو طيف ما يمكن أن نسميه الفوارق الوجدانية البسيطة بين الناس، وكل شيء يزيد وينقص حتى الإيمان يزيد وينقص، وهكذا مزاج الناس قد يرتفع وقد ينخفض، وقد يكون على السواء، إذن أنا أريدك أن تعتبر حالتك بسيطة، وأن تتجاهل موضوع الخوف تمامًا.

فيما يخص ارتباكك أمام الناس -حتى وإن كان الرهاب سببًا فيه- لكن هناك جزءا نفسيا بسيطا ومهمّا، وهو أن الذين يعانون من الخوف الاجتماعي تجدهم يفرضون رقابة صارمة جدًّا على أدائهم الجسدي والنفسي، يعني تجد الإنسان حسّاسًا جدًّا إذا تعثر في كلمة أو في حرف، يقول إنه يعاني من التلعثم في الكلام، لو ازدادت ضربات قلبه قليلاً –وهذه عملية فسيولوجية إيجابية جدًّا- لأن الإنسان في مرحلة المواجهات لا بد أن يتحفز جسمه وعقله وقلبه ووجدانه وكيانه ليؤدي أداءً حسنًا في هذا الموقف.

صاحب الخوف حين يُفرز شيئاً من الأدرينالين يؤدي إلى تسارع ضربات القلب، تجد الواحد منهم ينشغل جدًّا ويُضخم ويُجسِّم مشاعره السلبية مما يخلق له حالة من التشوش الذهني وضعف التركيز، ويأتيه الشعور بصعوبة السيطرة على الموقف، أو أنه سوف يكون مصدرًا للاستهزاء أو السخرية من قِبل الآخرين.

أيهَا الفاضل الكريم: أريدك أن تُصحح مفاهيمك تمامًا، فأنت بخير وعلى خير، ولستَ مصابًا بتلعثم، ولا أحد (حقيقة) يلاحظ ما عليك، هي مشاعر داخلية تعاني منها أنت، وجسدك وعقلك يحاولان أن يهيئاك للمواجهات حتى يكون أداؤك حسنًا، لكن هذا الاستعداد تحدث من خلاله تغيرات فسيولوجية تعطيك هذا الشعور النفسي الجسدي.

أرجو أن تطمئن، وأرجو أن تكثر من المواجهات، لا تتوقف أبدًا، كن مرفوع الرأس، التق بإخوتك، ابدأ أنت بالسلام، وتذكر أن تبسمك في وجوه إخوانك صدقة، وكن دائمًا في الصفوف الأولى، خاصة في صلاة الجماعة، صِل رحمك، مارس رياضة جماعية مع مجموعة من أصدقائك، أكثر من الاطلاع، شارك في حلقات النقاش أيًّا كانت في محاضرات أو في حلقات علم أو خلافه، هذا هو الذي يعالج حالتك علاجًا صحيحًا، يكسر شوكة الخوف والقلق، وسوف يزيل ما بك من اكتئاب بسيط أو عسر مزاجي، لأنك سوف تحس بالرضا عن أدائك.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فالأنفرانيل دواء مشهود له في علاج المخاوف، بل نستطيع أن نقول إنه أول دواء أثبت جدارته في علاج الوساوس والمخاوف، وهو مضاد قوي للاكتئاب ولا شك في ذلك، أنت شعرت بتحسن شديد من الوهلة الأولى، هذا لا أعتقد أنه ناتج من الدواء، لا بد أن أكون دقيقًا معك علميًا في هذه الناحية، فعالية هذه الأدوية لا تتم قبل أسبوعين إلى ثلاثة، لكن الذي حدث: أعتقد أن مشاعرك الإيجابية واعتقادك وحسن ظنك في الدواء هي التي جعلتك تشعر بهذا التحسن السريع، فأنا أقول لك: استمر على نفس الجرعة، ولا أعتقد أنك تحتاج لأكثر منها، وربما تحتاج لهذا الدواء لمدة شهرين أو ثلاثة، وليس أكثر من ذلك.

هناك موضوع لا بد أن أنبهك إليه، لا تأخذها نقطة سلبية، إنما هي نقطة علمية مهمة: أنت ذكرتَ أنك أصبحت تشعر بالسعادة طُوال اليوم -نسأل الله تعالى أن يُديم عليك هذه السعادة- فقط أريد أن أنبهك أن الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق والمخاوف والوساوس في بعض الأحيان قد تُدخل الإنسان في مزاج انشراحي، يعني أنه يكون مبسوطًا أو سعيدًا أو يحس بطاقات نفسية أو جسدية أكثر مما يجب، وهذه نعتبرها أيضًا حالة مرضية، لأننا لا نريد للناس أن يكون مزاجهم فوق ما هو مطلوب، راقب نفسك، إذا شعرت بانشراح زائد هنا يجب أن تتوقف عن الدواء وتذهب إلى الطبيب النفسي إن أمكن ذلك.

استمر أخِي على الدواء -كما ذكرت لك- والطريقة هي: أن تتناول نصف حبة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، أما إذا حدثت معك حالة انشراحية زائدة فهنا يجب أن تتوقف عن تناول الدواء مباشرة، وتحاول أن تذهب إلى الطبيب مهما كانت الظروف؛ لأن في هذه الحالة -أي في حالة حدوث نوع من انشراح زائد- غالبًا أنك تعاني من اضطراب ثنائي القطبية، وهذا له طرق واستراتيجيات ووسائل علاجية مختلفة تمامًا من علاج الاكتئاب النفسي آحادي القطب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا حسن

    جزاكم الله خير

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً