الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يأس واكتئاب وفقدان للأمل من كل شيء في حياتي، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم

عمري 19 سنةً، منذ 4 سنوات أصابتني حالة غريبة، كأني لم أعد أدرك شيئًا من حولي، مع شعور بالجمود، والملل الشديد، والاكتئاب من كل شيء، فلم أعد أشعر بالسرور الذي كنت أشعر به عندما أفعل شيئًا أحبه، وأصبحت كأني جسدًا بلا روح.

أصبحت شديد العصبية، وأشعر بعدم الاتزان في القول والفعل، وشعور شبه دائم بالدوار، وعدم التركيز، وضعف الذاكرة، والكسل الشديد، والخمول، وعدم المبالاة، والتحجر، وحالة شديدة من الحزن، والتوتر، وأصبحت أفضل العزلة والوحدة، وأصبحت من سيء إلى أسوأ، وأصبحت لا أقوى على القيام بأي نشاط مهما كان بسيطًا، كأني شبح أحاول الاختباء من الحياة والناس.

أصبحت أشعر أن الناس تكرهني، وأنهم مطلعون على حالتي، وأصبحت أشعر بالخوف من كل شيء: من النوم، ومن الظلام، ومن البقاء وحيداً، وإذا حاولت الخروج من الوحدة، والاختلاط بالناس، فإن حالة الخوف تزداد، مع الضيق الشديد، والتوتر.

أصبحت لا أريد حضور المناسبات، ولا أريد الذهاب للجامعة، ولا الخروج من المنزل، أصبحت حياتي أشبه ما تكون بالجحيم! أصبحت أشعر أن الحياة ثقيلة، وأصبحت أقضي وقتي كله على الكمبيوتر، والإنترنت، وأذكر لكم أني عندما كنت صغيرًا كنت أيضًا لا أحب الاختلاط بالناس، ولكن لم تكن حالتي بهذا السوء، فقد كنت أفرح عند الذهاب لأقاربي، أو الخروج مع أصحابي.

بعد إصابتي أصبحت شديد الحزن لمجرد رؤية الناس تعيش حياتها سعيدةً، بينما أنا لا أستطيع، وكأن روحي تتمزق! فكنت أرى أصحابي يتعرفون بالناس، ويندمجون، بينما أنا لا أستطيع فعل أي شيء، لا أستطيع حتى التحدث مع الناس، وأشعر بتوتر شديد بمجرد رؤيتهم، فأصبحت أتجنب الأماكن المزدحمة، وأكره الخروج من المنزل، كأني ذاهب إلى جهنم، وإذا تكلم معي شخص ما لا أعرف ماذا أقول، أو ماذا أفعل.

أحيانًا تزداد الحالة أضعافًا مضاعفةً، وإذا حدث شيء سيء أشعر بأني سأموت من الحزن، ولكنني أحيانًا أنسى الحالة، غير أن الأعراض تكون موجودةً، أو إذا تعرضت لموقف يثير نقاط الضعف هذه فإني أشعر بالخواء، وكأني غير موجود.

لا أعلم، هل جننت، أم ماذا يحدث لي؟ فقد أصبح الحزن والخوف عنواني، وفقدت الأمل في كل شيء من حولي، وأشعر بأنه ليس هناك علاج لحالتي، وبأني سأبقي هكذا طول عمري!

إذا قمت بأي تصرف أسأل نفسى: لماذا قمت بهذا التصرف؟ وأصبحت كثير الشك والتساؤل في كل شيء أفعله، وأسأل نفسي هل هذا التصرف طبيعي أم لا؟ ولا أستطيع التعبير عن نفسي، وأصبحت تابعًا لأي أحد، ولست مستقلاً بنفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن رسالتك احتوت على كثير من الأعراض التي تعاني منها، فيها ما هو جسدي، وفيها ما هو نفسي، والمحصلة النهائية لأعراضك هذه جعلتني أتلمس أنك فقدت الفعالية بصفة عامة، وهذه إشكالية لها تبعات اجتماعية ولها تبعات سلبية بمستقبلك.

أريد أن أنبهك لأمر هام جدًا، وهو أن شدة الأعراض النفسية ليس من الضروري أبدًا أن تعني أن هناك مرضًا شديدًا، أو مُطبقًا، أو لا يمكن علاجه، والسبب في هذه الفكرة أو المقولة هو أن الناس تختلف في تقديرها لتقييم أحوالها؛ فبعض الناس وحسب تركيبتهم النفسية، وسماتهم الشخصية تقع عليهم الأعراض النفسية وقعًا شديدًا، ومؤلمًا، وثقيلاً، والبعض الآخر قد يكون التأثير عليه تأثيرًا وسطيًا، ومجموعة أخرى قد يكون التأثير عليها تأثيرًا بسيطًا.

هذا لا يعني أبدًا أننا يجب أن نتجاهل الأعراض البسيطة، ونركز فقط على الأعراض الشديدة؛ لأن تحمل الناس، وظروفهم، ونمط حياتهم مكوّن رئيسي جدًّا في الطريقة التي يعبرون بها عن أحوالهم وأوضاعهم النفسية.

الذي أراه أن التفكير السلبي أيضًا يسيطر عليك بدرجة كبيرة، وموضوع عدم المبالاة، وشعورك بأن الناس تكرهك، وأنك تشعر بالقلق، والتوتر، وعدم الارتياح، وانصرفتَ لتقضي أوقاتًا طويلةً مع الكمبيوتر كنوع من العزلة، أو عقاب الذات -كما نسميه في بعض الأحيان-، وهذه كلها مؤشرات على أنك تعاني من درجة متوسطة من الاكتئاب النفسي، والاكتئاب النفسي يظهر لدى الشباب في شكل إحباط، وفي شكل افتقاد للدافعية، والحيوية الجسدية والنفسية.

أعتقد أن هذا هو تشخيص حالتك الرئيسي، ولا أريدك أبدًا أن تُصدم بهذا التشخيص، هو واقع من أعراضك، واجتهاد من جانبي، ومن واجبي بالطبع أن أُرشدك لما هو مفيد لك، ولذا أرجو أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا؛ فحالتك يمكن علاجها، وعلاجها بصورة ممتازة جدًّا.

هنالك جوانب بيولوجية، وهنالك جوانب نفسية، وهنالك جوانب اجتماعية، هي مسببة للاكتئاب؛ لذا فإن وسائل العلاج يجب أيضًا أن تكون اجتماعيةً، ونفسيةً، وسلوكيةً، فأنت تحتاج لدواء نفسي، مضاد للاكتئاب والقلق والتوتر، وهذه الأدوية -والحمد لله تعالى- متوفرة جدًا، ولا أعتقد أنك تحتاج لأكثر من دواء واحد، وفي ذات الوقت سوف تكون المتابعة من قبل الطبيب مهمة جدًّا لك، وفي أول زيارة للطبيب قطعًا سوف يقوم الطبيب أيضًا بإجراء فحوصات طبية عامة، كقاعدة ينطلق منها المريض والطبيب؛ لنكون قد تأكدنا أيضًا من الجوانب العضوية.

بالنسبة لوسائل العلاج الأخرى: يجب أن تنظر لنفسك نظرةً إيجابيةً، فالإنسان يستطيع أن يتغير، والإنسان له طاقات، وأنت في مرحلة الشباب، وأمامك الكثير الذي يمكن أن تقوم به، فلا تجعل الفكر السلبي يسيطر عليك.

قيّم نفسك على أسس جديدة، نظّم وقتك، مارس الرياضة، تواصل اجتماعيًا، اجعل لحياتك معنىً حقيقيًا، وأقول لك: أن الدين والعلم هما من أفضل ما يتسلح به الإنسان ليواجه بهما كل صعوبات الحياة، فاسع في هذا الطريق، وسوف تصل إلى مبتغاك -إن شاء الله-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر kareemalfanan@gmail.com

    السلام عليكم ورحمت اللله وبركاته
    انا زى حضرتك بالظبط وعمرى زى عمرك بالظبط وعندى نفس حالتك ويا ريت لو لقيت العلاج تقولى عليه لان انا والله مكتئب جدا

  • السعودية جود

    السلام عليكم جزا المختصين خير الجزاء
    قرأت اعراضظ تماماً كلها تنطبق على من يحتاجون الى الرقيه الشرعيه
    لعلك مصاب وتحتاج الى القران واللحوء الى الله والاستعانه به ثم براقي ممتاز وفقك الله وهداك

  • فلسطين المحتلة سامي

    صح

  • رومانيا بو عثمان

    انا اريد وانت تريد والله يفعل مايريد

  • الجزائر خ•صاره

    تفاءلوا خيرا تجدوه خلقنا لنحيا الحياه اجمل مما نتوقع لماذا نضيع فرصه عيش الحيا السعيده بهذه التفاهات رحمه الله واسعه اكثر من رحمه الام بولدها لاتقنطوا من رحمته فهو رحيم بعباده يقول للشيء كن فيكون

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً