الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي عنده وساوس وأفكار غير منطقية، فكيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم.

زوجي يعاني من حالة نفسية، ويرفض العلاج، أو ذكر اسم طبيب نفسي، اضطررت للذهاب لطبيب نفسي في منطقتي، وشرحت له حالة زوجي، فأعطاني هذا العلاج: Akisol-2 & Risnia-2 ، وطلب مني إقناعه بالحضور، وقد أعطيته هذين الدواءين دون علمه، بأن أضعه في الشاي أو العصير؛ لأنه يرفض الاعتراف بأنه مريض.

زوجي كان مغتربًا في دولة عربية، وعندما كان يرجع إلينا كنت ألاحظ حالته في السنوات الست الأخيرة كانت تستفحل؛ فقد أصبح لديه شك زائد، ونظامي لدرجة فضيعة، ويحب كل شيء في مكانه، ويكره ذلك البلد، وأي شيء متعلق به، لدرجة أنه قام بتصرفات جنونية: برمي كل شيء، من ملابس، ومقتنيات أحضرها معه في القمامة، وقد كان يعاني من التوتر والأرق، والضحك مع نفسه بصوتٍ عالٍ، ولكنه بعد استخدام العلاج انتهى التوتر، وخف الأرق والضحك -ولله الحمد-، ولكن بقي السرحان والشرود الذهني موجودًا.

ليس لديه أصحاب، وهو منعزل، ولديه كره لأبيه وإخوانه، يحب الاختلاء بنفسه، ينفذ أفكاره حتى لو كانت غير منطقية أبداً.

أتعبني بقراراته المفاجئة، وتنفيذها دون تحسب للعواقب، والمشكلة أنه يعاند ويصر على رأيه، ومهما حصل ينفذ.

عنده خوف من الموت والمرض بشكل فضيع، وخصوصًا بعد وفاة والدته بالسرطان في السعودية منذ فترة بسيطة، بالرغم من أنه مواظب على صلاته.

المشكلة هي: كيف أتعامل معه؟ هل ألبي له رغباته وأفكاره الجنونية في كثير من الأحيان؟ فمهما رفضت، وعاندته، فإنه يصر أكثر، وينفذ فكرته شئت أم أبيت.

يفقدني أعصابي، ولا أستطيع أن أعامله كمريض، وعندما أحزن فإنه لا يشعر بحزني، ويكلمني بعد 5 دقائق، وكأن شيئًا لم يكن.

فهل حالته مستفحلة؟ وهل من طبيب هنا يسعفني؟ لأن الطبيب في منطقتي لم يدلني على طريقة لإقناعه بالحضور؛ لأنه غير مقتنع بمرضه، وكلما فتحت الموضوع قال: بأنني أدمر حياتنا، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله تعالى لزوجك الكريم العافية.

هنالك مؤشرات مهمة وردت في رسالتك تجعلنا على قناعة كبيرة أن زوجك –شفاه الله– بالفعل يعاني من حالة نفسية، تستحق العلاج، غالبًا المرض الذي يعاني منه هو: أحد الأمراض الظنانية التي تتميز بوجود اضطراب في الأفكار، وكثرة في الشكوك، وربما بعض الهلاوس التي تجعله يضحك لوحده؛ كاستجابة لفكرة غريبة، أو لهلاوس سمعية مثلاً، ورفضه للعلاج، وعدم اعترافه بأنه مريض هو أحد الصفات والسمات المعروفة في هذا المرض، ولذا يتطلب الأمر الآتي:

أولاً: يجب أن نتفق أن حالة زوجك أهم علاج بالنسبة لها هو العلاج الدوائي؛ فكل أعراضه، وكل انفعالاته، وكل ما يصدر منه من تصرفات غير مقبولة هي ناتجة من هذا المرض، إذًا هو إنسان منزوع الإرادة لدرجة كبيرة فيما يخص أعراضه، والدواء سيكون هو العامل الرئيسي في شفائه -إن شاء الله تعالى-، لكن كيف نقنعه أن يتناول الدواء؟ هذه قضية، وهذه مشكلة تواجهنا جميعًا نحن كأطباء، لكن في نهاية الأمر بانتهاج بعض الطرق البسيطة، مع شيء من الصبر -إن شاء الله تعالى- يقتنع بأهمية العلاج.

أولاً: يجب ألا يُقال له: إنك مريض، والكلمات والعبارات التي دائمًا نحبذ أن تستعمل هي: (يا زوجي العزيز، أراك منهكًا ومجهدًا بعض الشيء، لماذا لا نذهب وتقوم ببعض الفحوصات، أنا أراك أحيانًا لست سعيدًا، حزينًا، وهناك اضطراب في النوم، فيفضل أن نذهب إلى الطبيب، ونقوم ببعض الفحوصات) وليس من الضروري أن تكون البداية مع الطبيب النفسي؛ فحتى طبيب الأسرة، أو الطبيب الباطني، أو أي طبيب يمكنه أن يفيدكم؛ لأن هذه الحالة معروفة جدًّا.

الرزمة التي كتبها الطبيب هي من أفضل العلاجات، ولكن الجرعة المطلوبة في حالة زوجك هي: أربعة مليجرام على الأقل، وليست اثنين مليجرام.

فإذًا من خلال هذا المدخل الذي ذكرته لك: أعتقد أنك سوف تنجحين -إن شاء الله تعالى- في إقناعه.

الطريقة الأخرى هي: أن يتم اختيار شخص أكثر تأثيراً عليه؛ ربما يكون إمام المسجد، أو صديقًا، أو جارًا، وقد شاهدتُ بأم عيني من تم إقناعهم عن طريق الأطفال، وليس من الضروري أن يكون الشخص المؤثر شخصًا ذا مكانة، أو من كبار السن، أو شيئاً من هذا القبيل –مع احترامنا للجميع–، فإذا رأيت في نفسك أنك لست الشخص المناسب، وأن هناك شخصًا ربما يكون له تأثير أقوى عليه؛ فهذا يفيد كثيرًا في إقناعه بأن يذهب إلى العلاج.

السبب في اختيار هذا الشخص المفتاحي –كما نسميه– هو: أن هؤلاء المرضى لا يتحملون أبدًا كثرة التدخلات من أطراف متعددة؛ لأن مرضهم أصلاً قائم على الشكوك، وعلى الظنان، فحين تكون هنالك تدخلات من أشخاص كُثر، فهذا قطعًا يؤدي إلى انفعالهم، وإلى زيادة شكوكهم، للدرجة التي يرى المريض أن هنالك مؤامرةً تُحاك ضده، أو أنه مستهدف.

هذا الصباح قمتُ بالكشف على مريض مثل حالة زوجك، اقتنع بعد فترة من الزمن، وحقيقةً لم أدخل معه أبدًا في الحديث عن الأمور التي تُحرجه، أو تستفزه، وكان النقاش نقاشًا عامًا، وبعد أن بنينا معه شيئًا من العلاقة العلاجية، تحدثنا معه حول الحالة التي يعاني منها، وبعد ذلك أفصح لي أنه يرى بالفعل أنه مستهدف من قبل جيرانه، بل هو هدف سهل، وهذا قطعًا تفكير مرضي، وبعد ذلك -بفضل الله تعالى- توصلنا إلى أن يقبل العلاج، هذه نقطة.

النقطة الأخرى: هؤلاء المرضى بعد أن تتحسن أحوالهم غالبًا ما يتعاونون ويتناولون العلاج جدًّا، الواحد منهم يقبل العلاج؛ خاصةً إذا تم بناء علاقة علاجية إيجابية مع أحد الأطباء، وفي بعض الأحيان، وحتى نضمن استمرارهم على الدواء، يمكن أن يتم إعطاؤهم بعض الإبر بعيدة المدى، طويلة الفعالية، وهناك إبر زيتية منها ما تؤخذ كل أسبوعين، أو كل ثلاثة، أو كل أربعة أسابيع.

المهم عليك بالصبر، وعليك أن تداريه، وعليك أن تكوني رؤوفةً وعطوفةً معه، ولا تيأسي، ولا تتخلي عنه أبدًا، وهذه الحالة يمكن علاجها تمامًا، والأدوية هي خط العلاج الأول، وأرجو أن تنتهجي الطرق والأساليب التي ذكرتها لك، واسألي الله تعالى أن يوفقك، وأن يهديه لقبول العلاج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً