الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي صعوبة في اتخاذ القرار حتى في أيسر الأمور، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدي مشكلتان تُصعّبان عليّ حياتي، مع أنني أشعر أنني واثقة من نفسي، لكن لا أعلم ما سبب هاتين المشكلتين؟! ألا وهما:

1- صعوبة اتخاذ القرارات:
على سبيل المثال: إذا أردت أن أُعدّ طبخة، أحتار كثيرًا في ماذا أطبخ، ولا بدّ أن آخذ رأي أمي وأختي الصغيرة، فهما من يوجهانني، ثم أنفّذ ما قالتا، ومرة كنت مع صديقتي، وأردت شراء مشروب، لكني احترت كثيرًا ولم أعرف ماذا أختار!

المفترض أن أختار ما أحبه، لكني لم أكن أعرف حتى ما أرغب به، وهكذا دائمًا، أتردد عندما أريد شراء ملابس، أو القيام بأي شيء يسير، لا بد أن أستشير من حولي.

في الصف الثاني الثانوي، تعبت نفسيًا بسبب التردد، جلست أسبوعين لا أستطيع اتخاذ قرار: هل أختار المسار العلمي أم الأدبي؟ بينما كنت أرى صديقاتي قررن في يوم واحد! لماذا أنا أستغرق كل هذا الوقت في اتخاذ قراراتي؟ والمشكلة أنني لا أشعر بالراحة حتى بعد اتخاذ القرار، بل أظلّ في حيرة.

طريقتي في التغلّب على ذلك أنني أُستخير في كل شيء، لكن أحيانًا توجد مواقف تحتاج قرارًا سريعًا، ولا يتاح لي وقت للاستخارة.

الآن لدي أصعب قرار مرّ عليّ: شخص تقدّم لخطبتي، وتمّت النظرة الشرعية، وقد وافق عليّ، وأنا ما زلت مترددة جدًا، أحيانًا أشعر بالارتياح، وأحيانًا لا.

2- الخجل:

أشعر بالخجل إذا أردت التحدث مع أحد عبر الهاتف، حتى لو كان صديقتي، وأشعر بالخجل أيضًا إذا أردت كتابة موضوع في منتدى، أو نشر شيء على فيسبوك أو تويتر، أو حتى تعليق بسيط، أبدأ أفكر كثيرًا بردة فعل الناس، وأتساءل: أأكتب أم لا؟ هل كلامي جيد أم لا؟

عندما أجلس مع أحد، أكون صامتة أغلب الوقت، لا أملك الكثير من الأحاديث، فقط أعلّق على ما يُقال، لا أعرف إن كان هذا خجلاً أم لا، لكن لا تخطر ببالي مواضيع أتحدث فيها، لا أفهم كيف يستطيع الناس دائمًا أن يجيدوا تبادل الكلام.

أمر آخر: لا أُعبّر عن مشاعري أبدًا، رغم أنني أتمنى لو أستطيع أن أعبّر عنها براحة وصراحة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الهنوف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على الكتابة إلينا والتواصل معنا.

يبدو أن موضوعك التردد في اتخاذ القرار، هو شكل خاص من الوسواس القهري، من الحيرة والتردد والشك في رأيك، وفيما إذا كنتِ قد اتخذتِ القرار الصحيح، ومن ثم الشك في هذا القرار، وهل هناك أفضل منه، وهكذا دواليك، حتى تجدي نفسك عاجزة عن اتخاذ القرار النهائي.

ما العمل الآن؟

إن تجنب اتخاذ القرار أو تأجيله وتسويفه لا يحل المشكلة، وإنما يجعلها تتفاقم وتشتد، وتزيد في ضعف الثقة بالنفس، ويمكنك مثلا أن تحددي زمناً محدداً لاتخاذ القرار، وستجدين من خلال الزمن أن ثقتك في نفسك أفضل وأفضل، وستجدين أن اتخاذ القرارات أسهل بكثير مما كنت عليه في السابق.

هكذا العلاج الفعال لهذه الحالة، وهو العلاج السلوكي، والذي هو ببساطة التشجع على اتخاذ القرارات ومهما كانت النتائج، ولعل هناك أيضاً مشكلة في النزعة والميل للكمال؛ حيث لا تتقبلين الأمور إلا أن تكون "كاملة" ولكن مع كثرة الممارسة سيسهل الأمر حتى تعتادي على هذا وتزداد ثقتك في نفسك، وبحيث يمكن أن تصلي إلى حالة تستطيعين معها اتخاذ القرار، وبكل ثقة وارتياح وسرعة.

بالإضافة للعلاج النفسي المعرفي؛ هناك حالات نصف فيها أحد الأدوية التي تساعد في هذا، وخاصة إن وجد أيضاً شيء من الاكتئاب، والذي يحدث بسبب الانسحاب من المجتمع وضعف الحياة الاجتماعية.

أرجو أن لا تمنعك "الوصمة الاجتماعية" من زيارة الطبيب النفسي، والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول آمراً لنا بالتداوي: "تداووا عباد الله، فإنه ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء"، وكما هو الحال مع طبيب القلب والصدر وغيرهما، فنفس الأمر مع طب النفوس.

لعل الجزء الآخر من سؤالك وهو الخجل أنه متصل بالموضوع الأول، حيث إنهما وجهان لعملة واحدة، وإقدامك على مخالطة الناس واتخاذ القرارات، سيعينك أيضاً على تجاوز هذا الخجل الاجتماعي.

أما بالنسبة للجانب الأخير في سؤالك، أنك عندما تجلسين مع أحد فإن الأفكار تطير من رأسك، ولا تعودي تعرفين في ماذا تتحدثين:
حاولي أن لا تضغطي على نفسك بضرورة الحديث والكلام، لأننا أحياناً عندنا نزيد في شدة المحاولة فإننا نعجز ونشعر بالضعف، والأفضل ربما أن تكوني طبيعية وبحيث إذا تداعت الأفكار إلى رأسك فذلك طيب، وإلا فلا بأس بالسكوت، والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من كان يومن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت).

وفقك الله، وخفف عنك ما أنت فيه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً