الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أحب الحياة، فهل لي بذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

بدايةً أود تقديم شكري وامتناني الشديدين لكل القائمين على الموقع، خاصة وأنكم تُخصصون جزءًا من وقتكم الثمين لقراءة هموم ومشاكل غيركم، وإيجاد الحلول لها بالرغم من مشاغلكم الدنيوية.

بصراحة لا أعلم من أين أبدأ؛ هي حالة وشعور يراودني منذ الصغر بعدم الانتماء لعائلتي؛ لا أشعر بالسعادة عندما أكون بينهم وعند اجتماعاتهم، أحب العزلة والوحدة.

وأحياناً أصاب بنوبة بكاءٍ كثيراً ما أشعر بالراحة بعدها، أحب كل ما هو حزين من موسيقى وأغاني ولوحات وشعر، وكأن الحزن أصبح جزءا لا يتجزأ مني، بل حتى في تقاطيع وجهي فنادراً ما أضحك، وإن ضحكت فالكل يعرف أنها مصطنعة مجاملة لمن حولي.

عمري الآن 21 عاماً، وما زلت على هذا النحو منذ طفولتي، فلا عجب إن ناداني البعض بالمعقد!

دائماً أحمّل أبي المسؤولية لكل ما يحصل لي، فهو عبوس الوجه، لا يبتسم مطلقاً، جافي المشاعر، ويرى الضرب الوسيلة المثلى للتربية، فلا ذكرى لي معه سوى العصا والسوط، وأنا هنا لا أبالغ، هذا واقعي منذ طفولتي.

كنت أقضي معظم فراغي بالدراسة بغرفتي، وأتجنب إثارة المشاكل حتى لا أعاقب ومع ذلك أعاقب، فلا فرق بين الجاني والضحية عنده، فالكل يجب أن يُعاقب.

تولّد لدي منذ صغري فراغ عاطفي كم تمنيت أن يزول عند الكبر، لكني أجده يتسع يوما بعد يوم!

أكرمني الله ودخلت كلية الطب، وتجاوزت السنة الأولى بدرجات ممتازة، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان بالثانية، فلا رغبة لي بالدراسة ولا بالحياة، ولا حتى بالخروج إلى المسجد، فلا أريد رؤية أحد أو أن يراني أحد آخر، تعثرت بمعظم مواد السنة وحذفتها أملاً في تقليل الخسائر والعودة هذا العام من جديد.

قررت حينها زيارة طبيب نفسي بمدينتي والذي شخص حالتي بالاكتئاب، وأعطاني سيبرام 10 مليجرام ( إن لم تخني الذاكرة ) حبة يوميا قبل النوم، طبعا استخدمت الدواء لفترة وقطعت زيارتي له لأني لم أرتح صراحة لأسئلته، كنت أراه يخوض ويغوص بأعماقي التي لا أريد لأحد أن يراها أو أن يكشف ما بخاطري، ولا تطلبوا مني العودة إليه!

بدأت السنة الحالية والوضع ما زال كما هو، فلا رغبة بالدراسة، ولا بالدوام، ولا أخفيكم أنني فكرت بالانتحار لكن؛ لولا إيماني الكلي بحرمته، وبأن جسدي ليس ملكي وما أنا إلا مؤتمن عليه، قررت أن أصون الأمانة قدر المستطاع، فما الحل برأيكم؟ كيف أتخلص من هذا الحزن؟ ومن هذا الفراغ؟ أشعر أنني ما زلت طفلا بجسد شاب نبت الشعر بشاربه وذقنه.

يومي كاملاً أقضيه بالحزن والوحدة، تملأ رأسي الأفكار السوداوية للحياة، مللت الوضع، أريد أن أحب الحياة فهل لي بذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على الكتابة إلينا بما في نفسك، وأكيد أنه لم يكن بالأمر السهل، خفف الله عنك، وكتب لك الصحة والعافية.

وإذا تأكد تشخيص الاكتئاب النفسي السريري، سواء من خلال رأي الطبيب النفسي السابق أو طبيب نفسي جديد، فيفيد أن أذكر أن هناك العديد من الأعراض: فالمصاب بالاكتئاب قد يشعر بالحزن والانقباض -وخاصة في فترة الصباح- مع الكثير من الحزن والمشاعر السلبية، ومن ثم قد يشعر ببعض التحسن مع المساء، وهذا العَرَض من تقلب المزاج بين الصباح والمساء هو من الأعراض المعروف من أعراض الاكتئاب السريري.

ولكي نشخص الاكتئاب فإننا نبحث عن أعراضٍ أخرى بالإضافة لما سبق: كالنظرة السوداوية مع شيء من التشاؤم من المستقبل، واضطراب النوم -وخاصة قلة النوم- والاستيقاظ المبكر، وضعف الشهية للطعام ونقصان الوزن، وفقدان المتعة بما كنت تستمتع به، فهذه كلها أعراضٌ للاكتئاب السريري، والذي يحتاج عادةً للعلاج.

ولا شك أنك تدرك أن للاكتئاب علاقة وثيقة ببعض أحداث الحياة التي تمرّ بنا، وخاصة الأحداث المؤلمة التي تتطلب منا تكيّفاً مع الظروف الجديدة.

ومن الطبيعي أن يسألك الطبيب النفسي الكثير من الأسئلة، وكما ذكرت، ولكن أرجو أن لا يزعجك هذا، وأن لا يصرفك عن متابعة العلاج، وأرجو أن لا تتردد في العودة للطبيب النفسي ليقوم بالتشخيص الدقيق، وتقديم العلاج المناسب، فعلاج الاكتئاب أصبح أمراً ميسوراً في معظم الحالات، وهناك العديد من مضادات الاكتئاب، ولكن لا بد من الاستمرارية في متابعة العلاج، ولبعض الوقت.

ولا شك أنه بالإضافة للعلاج الدوائي، فهناك أيضاً العلاج النفسي المعرفي السلوكي، والذي تأثيره في كثيرٍ من الحالات لا يقلّ عن تأثير العلاج الدوائي.

وفي بعض الحالات يمكن أن نستعمل العلاجين الدوائي والنفسي، ويمكن أن يقوم على العلاج المعرفي السلوكي الطبيب النفسي المتدرب أو الأخصائي النفسي.

وأنا أعرف ببعض الحرج الذي ربما شعرت به عندما كنت مع الطبيب النفسي، ولذلك أنصحك بأخذ موعدٍ مع أخصائي نفسي آخر، وليس بالضرورة طبيبا نفسيا، وأن تشرح لهذا الأخصائي ما يدور في نفسك وفي حياتك، وحتى عن الأفكار الانتحارية التي أشرت إليها في السؤال، والأخصائي لا شك سيسألك عن هذه الأفكار الانتحارية.

ولا شك أن ممارسة الرياضة أمر طيب، فالرياضة تعتبر من مضادات الاكتئاب، فلعل في ممارستها تكون بديلا عن الأدوية، وخاصة الاكتئاب الخفيف، وإذا لم تتواجد عندك معظم هذه الأعراض السابقة الذكر.

ولا شك أن الصلاة، وتلاوة القرآن، والدعاء، أيضاً مما يعين الإنسان على تجاوز بعض صعوبات الحياة.

وأرجو أن لا يمنعك من متابعة العلاج النفسي ما يُعرف بين الناس بالوصمة الاجتماعية، والخجل الاجتماعي من موضوع المرض النفسي والعيادة النفسية، وإن كان هذا الأمر قد تحسن كثيراً في السنوات القليلة الماضية.

وفقك الله وكتب لك الفلاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً