الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تبدل نشاطي بكسل ومزاجي أصبح شديد التقلب، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أنا فتاة بعمر 21 سنة، أدرس في مدرسة للهندسة، ومنذ 4 أشهر، انقلب حالي راساً على عقب، حيث فقدت الرغبة في الدراسة، وأصبت بالخمول والكسل، وأصبحت لدي نظرة سوداوية للحياة، ونمت بداخلي الرغبة بالموت.

ما يمنعني من الإجرام في حق نفسي هو شيئان اثنان؛ أولهما أني أخشى الله عز وجل وأخشى أن يغضب علي، والثاني هو أني أعرف بأنه حتى وإن حاولت فأنا لا أملك الشجاعة الكافية للقيام بشيء كهذا.

مزاجي أصبح شديد التقلب، وأصبحت أشتغل غضباً لأتفه الأسباب، حتى إن أمي اعترفت بأنها لم تعد تتحمل الشخصية التي أصبحت عليها.

أصبحت لا آكل إلا قليلاً، مما جعل وزني يتراجع بشكل كبير في بضعة أسابيع، ودراستي بعدما كانت أهم شيء لدي، أصبحت مجرد عبء يثقل كاهلي، والمراجعة والقيام بأدنى مجهود تزعجني، حتى إني في بداية هذا العام الدراسي انهرت بكاء، لأني لم أكن أرغب بأن أعود إلى الدراسة.

علماً أني أصبت بحالة مشابهة قبل بضع سنوات، بعد أن فشلت بالالتحاق بمدرسة الهندسة المعمارية التي كنت أحلم بها منذ الطفولة، لكن الوضع لم يصل إلى حد الرغبة بالموت؛ حيث عدت لطبيعتي بعد فترة قصيرة، ومع هذا، أعتقد أن ذلك شكل لي نوعاً من الصدمة والشعور بالإحباط الذي لم يزل حتى بعد أن التحقت بجامعة لدراسة الهندسة الصناعية، فأنا أشعر بكراهية عميقة تجاه قريبة لي لأنها حصلت على ما كنت أتمناه بينما أنا لا.

ما يزيد الطين بلة، هو أني لطالما رغبت بالدراسة في الخارج لكني على يقين تام بأن أسرتي لن تسمح بذلك على الاطلاق.

علماً بأن مساري الدراسي يحتم علي أن أكمل دراستي في الخارج من أجل الحصول على وظيفة في وطني، وهذا الأمر يزيد من شعوري بالإحباط وبالفشل.

أحياناً أكون في قمة السعادة، حيث أقنع نفسي بأن الخير في ما اختاره الله، وأقوم ببث الحماس في نفسي من أجل بذل مجهود أكبر.

أحياناً أخرى -كثيرة- أجد نفسي منهارة نفسياً، أبكي وأتحسر على ما فاتني وأقارن نفسي بالآخرين وآسى على حالي.

أفكر كثيراً بالانقطاع عن الدراسة لكني أعرف أني إن فعلت فسأكون بذلك قد دمرت مستقبلي، وجعلت من نفسي أضحوكة أمام الآخرين، لكني في الوقت نفسه، أجد صعوبة في تحفيز نفسي من أجل الاستمرار.

أرجو منكم مساعدتي على إيجاد حل لهذا الوضع، جزاكم الله خيراً وجعله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Meryem حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكراً لك على التواصل معنا، والكتابة إلينا بما في نفسك من المشاعر.

فبالرغم من صعوبة الموقف الذي أنت فيه، أعانك الله، وشرح صدرك، وأسبل عليك الطمأنينة وراحة البال، هناك احتمالان يدوران في ذهني.

إن ما تعانين منه هو أحد أمرين: الأول: استجابة وردة فعل لبعض الصعوبات الحياتية التي تمرّين بها، سواء في حياتك الخاصة أو الأسرية أو الاجتماعية، والتي لم أر دلالاتها فيما ورد في سؤالك، إن وجدت بعض هذه الصعوبات والتحديات، فهي يمكن أن تفسر الحالة النفسية التي أنت فيها الآن، وعندها نحتاج للعمل على حلّ هذه المشكلات والتحديات الواقعية في الحياة.

الثاني: أكاد أشعر أنه هو الأرجح، أنك ربما تعانين من حالة من الاكتئاب النفسي، ومعظم الأعراض والمشاعر التي وردت في سؤالك تنسجم مع هذا.

حيث من أعراض الاكتئاب النفسي ذهاب الشعور بالفرحة والمتعة، وفقدان الرغبة بالأعمال، والاهتمامات التي كنت ترتاحين لها وتسرّين من القيام بها كالدراسة وغيرها، والنظرة التشاؤمية السوداوية، وضعف الثقة بالنفس، وتمني الموت وانتهاء الحياة، وضعف الشهية للطعام، ونقصان الوزن الكبير، والبكاء.

يبدو من خلال عرضك أنه كان عندك من قبل حالة من الاكتئاب، والتي استطعت الخروج منها، وربما كانت في الماضي أخفّ من هذه الهجمة من الاكتئاب، وهل يا ترى أخذت علاجاً سابقاً للاكتئاب؟ وكيف كانت درجة التحسن من هذا العلاج، أو كان التعافي طبيعي ومن دون علاج معين؟

الذي أنصح به، وبرأيي أفضل ما يمكنك أن تقومي به هو مراجعة طبيب نفسي قريب منك، حيث لابد للطبيب النفسي من القيام بأخذ القصة الكاملة، والقيام بفحص الحالة النفسية، حيث أن هناك بعض الأعراض الهامة والتي لها مؤشر هام في تحديد التشخيص وبدقة، الأمر الذي لابد منه قبل وضع الخطة العلاجية المناسبة.

لا شك أن الطبيب سيسأل عن الأعراض الأخرى التي تأتي عادة مع الاكتئاب، ولا شك أنه بعد تأكيد التشخيص فسيضع الطبيب الخطة العلاجية، سواء كان العلاج الدوائي أو النفسي أو كليهما معا، ولعلك تتطلعين أيضاً على ما يسمى بالعلاج المعرفي السلوكي، وهو علاج نفسي غير دوائي لحالات الاكتئاب، ولا ننسى أيضاً أن علاجات الاكتئاب قد تطورت كثيراً في السنوات القليلة الماضية.

لا أنصحك وأنت في حالة الاكتئاب هذه أن تتخذي قراراً كبيراً يؤثر على حياتك ودراستك، كترك دراسة الهندسة المعمارية، حلم حياتك، فأنا أنصح عادة من يعاني من الاكتئاب أن لا يتخذ قراراً قد يندم عليه بعد التعافي من الاكتئاب، وإنما تعيدين النظر في الأمر بعد الشفاء من هذه الهجمة من الاكتئاب.

خاصة أني أرى أمامي فتاة طموحة تحب العلم والتعلم، وخاصة الهندسة العمارية، فلا تحرمي الناس من إبداعاتك وتصميماتك الهندسية، والتي اشتهر بها أهل المغرب.

أرجو أن تتكلمي مع أحد أفراد الأسرة عن حقيقة مشاعرك، فوقوف الأسرة معك في هذه المرحلة أمر مطلوب، وسيكون له الأثر الطيب بعون الله.

وفقك الله وحفظك من كل سوء، وكتب لك الشفاء العاجل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً