الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تراجع ثقتي بنفسي والقلق من المواجهة .. ما تفسيره؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أشكر لكم جهودكم الطيبة، وأشكر لكم هذا الموقع الطيب الذي دوما أجد فيه النصح والإرشاد، وأرجو من حضرتكم التطرق لجميع جوانب مشكلتي؛ حيث إن الاستشارات الأخيرة التي تلقيتها كانت جزئية على خلاف الاستشارات التي تلقيتها في الماضي من موقعكم الطيب، وعذرا على الملحوظة.

خلفية:
وضعي حاليا: عمري 31 سنة، وحاصلة على لقب ثان في حل الصراعات الدولية، زوجة وأم لطفل، شكلي لائق، ووضع مادي مرتاح -والحمد لله- والعلاقة الزوجية مستقرة بشكل عام. وحاليا لا أعمل، فقد قررت أن أتفرغ لطفلي؛ حيث إنه لا يزال عمره ستة أشهر فقط، ونعيش بعيدا عن العائلة.

الماضي: أب عنيف، متسلط، متحرش جنسيا، تخلى عن مسؤوليته تجاهنا بعد انفصاله عن والدتي عندما كنت في الـ (14)، وأم سلبية ومعنفة.

المشكلة: الجميع دون استثناء ينظر إلي بأنني واثقة من نفسي، حازمة وصارمة، ولا أهاب الحديث والمبادرة، لكن أحيانا كثيرة وليس نادرا أستشعر تراجعا حادا بثقتي بنفسي، بحيث أخاف من إبداء رأيي؛ خوفا من النقد، وأجد نفسي أفكر كثيرا بماذا سيقولون؟ أجد نفسي أهيئ نفسي وأهيئ جوابا لرد الفعل الذي تخيلته من الآخرين، وهذا يمكن أن يستهلك مني طاقات كبيرة.

أحيانا أسكت عن حقي، وبعدها ألوم نفسي طويلا، مثلا: ضايقني جدا بأن الممرضة لم تبدل القفازات قبل أن تأخذ لي عينة دم، ورغم أنني مدركة للمخاطر الطبية سكتُ، وبعدها غضبت جدا على نفسي، وظللت أفكر بما حدث أياما طويلة، ومواقف عديدة كهذه تتكرر.

أحيانا أخاف من المواجهة؛ فأجدني أتردد في بعث رسالة لرؤساء العمل، أو أقوم بإنهاء علاقة عمل عن طريق الإيميل.

خوفي من المواجهة دائما يكون مع من هم في مكان سلطة أو غريبين عني، وليس مع المحيط القريب مثل الزوج والأصدقاء والعائلة، بل مثل: رئيسي في العمل، الطبيب، زميل أو ند، محاضر في الجامعة، وأفكر كثيرا برد فعل الشخص الآخر، وأجدني أفضل الكتابة على الاتصال، والاتصال على اللقاء، ورغم أنني أجد هذه السمة واضحة في شخصيتي، وتؤثر على سير حياتي بشكل كبير إلا أن الآخرين لا يلحظونها، فربما السبب أنني لا أشارك الآخرين بدوافع أفعالي، وربما لأن الجزء الحازم وقدرتي على الحديث والحوار هي السمة البارزة أكثر بشخصيتي.

ما تفسير حالتي هذه؟ وكيف يمكنني التغلب على حالة التراجع هذه بالثقة بالنفس وعلى مخاوفي؟ وكيف يمكنني أن أتصرف بطريقة أبسط دون أن يدور في رأسي سيناريو طويل لكل فعل أو عن كل رد فعل متوقع؟ وللأسف حاليا ليس لدي إمكانية الذهاب للطبيب النفسي، والبدء بجلسات علاجية.

جزاكم الله عنا خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، والكتابة إلينا مجددا.

مما لا شك فيه أن هناك علاقة وثيقة وسببية بين طبيعة طفولتك وخاصة ما ذكرت من العنف والتسلط والتحرش؛ فكل واحدة من هذه الطرق السلبية في التربية والتعامل يمكن أن تحدث الكثير من الصعوبات النفسية والشخصية وغيرها، فكيف إذا كانت هناك أكثر من واحدة من هذه الطرق السلبية!

اسمحي لي أن أقول: إن بعض الناس يمكن أن يعاني مما نسميه الميل أو النزعة للكمال (perfectionism) حيث يميل الشخص في كل شيء يعمله إلى أن يكون "كاملا" والكمال لله تعالى. وهذا الميل للكمال لا يأتي عادة من فراغ، وإنما من طرق التربية والتنشئة، وحتى في الطفولة، وربما هذا الميل موجود عندك وكما يبدو من رسالتك.

وليس هذا بالغريب؛ حيث يمكن لأي إنسان أن يصاب بما أصبت به في مثل هذه المواقف لو بنفس طريقة التربية، والمعايشة التي عشتها في طفولتك، وربما يشير هذا للحساسية الموجودة عندك. ونرى عادة هذا الشخص يفكر طويلا فيما جرى، أو فيما قيل له أو أمامه، ويجد صعوبة في نسيان ما جرى.

وما يمكن أن يعينك هو تفهم الربط بين طفولتك وطبيعة شخصيتك، وبأن ما تعانينه ليس بسبب مرض أو خلل فيك، وإنما بسبب كل هذه الظروف، وما يمكن أن يعينك على التكيف مع هذا الحال من إعطاء الأهمية الكبيرة لرأي الآخرين بك وبعملك، أو على رأيهم في أعمالك، فيمكن أن تعينك عدة أمور، ومنها محاولة التفكير بأن للناس همومهم الخاصة فليس عندهم وقت ليضيعوه في تتبع أمورك أو أمور غيرك، وكما يُقال: (عندهم ما يكفيهم)، فيمكن لهذه الفكرة أن تخفف عنك بعض ما تعانينه، فالناس منشغلون عنك، وأنت لست مركز اهتمامهم!.

حاولي أن تصرفي انتباهك عما حدث عن طريق القيام ببعض الأنشطة المختلفة كالقيام ببعض الأعمال المتعلقة بمهنتك، أو الهوايات كالرياضة وغيرها، ولذلك ستشعرين من خلال الزمن بأنك أكثر راحة، واسترخاء.

وفقك الله، ويسّر لك تجاوز ما أنت فيه، وإن شاء الله ما هي إلا مرحلة عابرة، وستتجاوزينها عاجلا أو آجلا، وإن شاء الله يكون الأمر عاجلا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً