الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفكير في قصة الحب التي لم تتوج بالزواج وتأثير ذلك على استقرار الزواج

السؤال

السلام عليكم.

كنت أحب شخصاً وأنا عمري 18 سنة! وكان إنساناً متعلّماً ومثقّفاً، وعرفته إلى عائلتي باستثناء والدي، وتعرف إلى أمي، وكنا نخرج مع بعض، وفي يوم اكتشفت أن أمي عرضت عليه مالاً ليتركني، وهو رفض! والصاعقة هي أن أمي أحبته! ويا للهول! كل هذا اكتشفته في فترة تقدم شخص للزواج بي، والكل كان يشجعني على القبول، وخاصة أمي، فلم تقف بجانبي! وأصبحت توهم الجميع أني سبب المشاكل! وعلاقتي الأولى لم تنته بعد، فوافقت مبدئياً، ولكني كنت أشعر بالاختناق! وعملت استخارة، فكانت في صالح زوجي الآن، وكنت في داخلي مقتنعة أني لن أستطيع الارتباط بالذي أحببته؛ لأن أمي السبب!

كم تعذّبت! وكم بكيت! وسافرت مع زوجي إلى بلاد الغربة، وقلبي ما زال معلقاً في مكان آخر! أحسست أني تركت كل شيء أحبه: أهلي، وعاداتي، و...و...و...

وليس لي أحد في الغربة! ولم أكن أستطيع البوح بمشاعري لأحد! حتى لا أكون مثل أمي خائنة! ما زلت أفكر في حبي الأول، حتى بعد خمس سنوات من الزواج! ولا أعرف لم!؟ وألوم نفسي دائماً! وهذا ينتج عنه عدم التركيز والتشويش الدائم في ذهني!

وزوجي شخص جيد، بالإضافة إلى أني اكتشفت أن أمي على علاقة بشخص آخر، ومعي الدليل بعد فترة. فما الحل كي أتوقف عن التفكير بكل هذه الأمور؟ ساعدني! أريد أن أحس براحة داخل قلبي وضميري! فأنا أحسّ دائماً بثقل في قلبي، وضغط كبير كذلك! الغربة أتعبتني، وأقسو على نفسي وأولادي! وأنا إنسانة جامعية.

هل أستطيع أن أعيش بسلام مع نفسي بعد كل هذه الأحداث؟ وأقول لنفسي دائماً: ما هذه الأشياء التافهة التي أفكر بها أمام مشاكل الأمة العربية؟ أحياناً أقول هل العمل جزء من الحل؟ ولكني أخاف أن أقدم! لماذا؟ لقلة ثقتي بنفسي.

أفيدوني! لو سمحتم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الكريمة/ LALA حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن يرزقك الهدى والرشاد، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يملأ قلوبنا بحبه، وحب العمل الذي يبلغنا رضوانه وجنته!

فإننا ندفع ثمن مخالفتنا لآداب وتوجيهات هذه الشريعة التي شرفنا الله به، وهنا تتجلى عظمة هذه الشريعة التي ترفض أي علاقة بين الرجل والمرأة إلا وفق الضوابط العظيمة التي تصان بها الأعراض، وتعان بها النفوس على الطاعات، والبدايات الخاطئة توصل إلى نتائج سالبة، وتورث الإنسان عناء ومشقة، ولا شك أن خروجك مع ذلك الرجل، وتوسعك في العلاقات معه خطيئة تحتاج إلى استغفار وتوبة.

وأرجو أن تحمدي الله على هذا الزوج الذي تعيشين معه، وقد وافقت عليه بعد الاستخارة ولن يخيب من يستخير به! وأرجو أن تبادليه الوفاء بالوفاء، والحب بالحب، واعلمي أنه لا خير في ذلك الفاسق الذي سمح لنفسه أن يخرج معك دون أن تكون بينكما رابطة شرعية، واجتهدي في نسيان ذلك الماضي الأسود، ومما يعينك على ذلك اشتغالك بذكر الله وطاعته وتجنب الوحدة، وعمري قلبك بحب الله، واخلصي في مودتك لزوجك؛ لأنه لا يحل لك أن تكوني تحت رجل وتفكيرك في غيره، وإذا كنت مقتنعة بأنك لن تستعطي الارتباط بصديق الهوى والغواية، فلماذا لا تعملين على نسيان ذلك الرجل، وطي تلك الصفحات المظلمة التي عشتموها من وراء ظهر الوالد، وبعيداً عن شريعة الله!؟

ولابد أن تعلم فتياتنا أن الشريعة عندما جعلت للأب ولاية في نكاح بناته أرادت مصلحة الفتاة، فالرجل هو أعرف الناس بالرجال، لكن المرأة تخدع بالمظاهر والكلام المعسول، ولكن الرجل الذي يعيش حياته كلها في معترك الحياة يعرف معادن الرجال.

واحفظي أسرارك واكتمي مشاعرك، وأخلصي لزوجك واستعيني بالله وعليه فتوكلي! وأرجو ألا تشعري هذا الزوج بمثل هذه المشاعر فتنكدي عليه وعلى نفسك! واتقي الله في نفسك! واحترمي هذا الرباط والميثاق الغليظ! ولا تلومي نفسك، فكل شيء بقضاء وقدر، والخير في الذي أنت فيه، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا!

واحرصي على حب والدتك والبر بها! واجتهدي في دعوتها للاستغفار والتوبة! وتذكري أنها أمك مهما كان! فاشغلي نفسك بالمفيد، واحرصي على حسن الرعاية لأطفالك، واصبري على تربيتهم، ولا تقصيري في حق الزوج الذي وصفته بأنه جيد، وهذه نعمة ولله الحمد!

وابحثي عن مجالس ذكر وقرآن! وعودي نفسك القراءة المفيدة وتنمية المهارات النافعة! وحكمي عقلك؛ فإنه لا مجال للعودة لذلك الخائن بعد أن أصحبت أماً للعيال وزوجة لرجل فاضل يستحق الوفاء والمودة! وسوف تستطيعين – بإذن الله – أن تعيشي مع نفسك بسلام وسعادة وطمأنينة إذا حرصت على طاعة الله، ولزمت طريق المتقين فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].

واعلمي أن الإنسان قد يحرص على شيء، ولكن فيه ضرره (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)[البقرة:216]، وقد رددت في دعاء الاستخارة (فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فصرف الله عنك ذلك الرجل، ورزقك بزوج جيد بحسب شهادتك له بذلك.

وحقاً ـ والله ـ إنها لأمور تافهة يريد الشيطان أن يصرف الإنسان بها عن الأمور المهمة والأشياء الكبيرة، ومن لم يشغل نفسه بالحق والخير شغلته نفسه بالشر والباطل! ولا شك أن العمل يشغل عن التفكير في كثير من الوساوس والخواطر التي تعرض لمن لا عمل له، ولا يشغل نفسه بذكر الله، ويحفظ وقته بكل مفيدٍ ونافعٍ، ولكن العمل الذي يناسب المرأة هو الذي لا وجود للرجال فيه، وهل أدخلك في هذا الأشكال إلا نظرك وخروجك مع ذلك الرجل!؟ فإن الاختلاط فتنة للرجال وللنساء، وميدان واسع للخيانات والمخالفات.

وإذا أرادت المرأة أن تؤدي حق زوجها وحق أبنائها، وقبل ذلك حق ربها، فلن تجد فراغاً، والمرأة المسلمة ليست فارغة أو طاقات معطلة كما يقول بعض السفهاء، بل هي موظفة تعمل في مملكتها في ليلها ونهارها لتخرج القادة والأفذاذ والأمهات الصالحات.

فثقي بالله أولاً وعليه فتوكلي! وأبشري فإن الفرص أمامك واسعة من أجل أن تحققي السعادة لك ولأسرتك! وهذا السؤال الدليل على أن كل نفس لوَّامة تتطلع إلى الخير والعلا، وأرجو أن يوفقك الله لكل خير، وأن يصلح لنا ولك النية والذرية، وأن يكتب لك السعادة مع زوجك وأطفالك، وأن يرزقنا البر لآبائنا والأمهات الأحياء منهم والأموات! ونوصيك بكثرة اللجوء إلى الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وأبشري بالخير، وأملي ما يسرك! وفقك الله وسدد خطاك!

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً