الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انقطعت علاقتي بمن أحببت، فماذا علي أن أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أخجل من نفسي ومن الموضوع، ولكني أشعر بالضيق وأود أن أجد الحل إن أمكن.

أنا كنت ملتزمة دائما وأضع حدودا لعلاقات الحب إلى أن تعرفت على هذا الشاب، في البداية حينما شعرت أن العلاقة قد تتطور إلى علاقة جنسية أردت أن أبتعد ولكنه بطريقة ما أقنعني أنني زوجته أمام الله، وأن ما نفعله ليس حراما.

صرنا نعيش تقريبا معا، وقد دامت علاقة الحب ما بعد الصداقة ١٠ أشهر إلى أن حدثت المشكلة، أخبرت عائلتي عنه وهو قد أخبر أمه عني، حدثت مشكلة بيني وبين أخته وهو قد وقف في صفي لأنه كان شاهدا على ما حدث بيني وبينها، ثم اتصلت به أمه ذات يوم لتخبره أنه يجب أن يقطع علاقته بي مع أنني لم يبدر مني إلا الخير تجاهها وتجاه ابنتها، شعرت بالذنب، وقررت التوبة، وأخبرته أنه يمكنني أن أنتظرها وأدعو لها حتى تغير رأيها، ولكنه بعد كل وعوده أخبرني بأنه لا مجال للمحاولة ولن يفعل إلا ما تقوله أمه.

أنا أشعر بالأسف على حالي، وأشعر أن مستقبلي مع فكرة الزواج قد انتهى؛ لأنني أرى بأن المرأة إن حدثت شريكها عن علاقة ما فقد تتغير نظرته تجاهها، وأنا لا أريد أن أعيش تجربة أخرى وأفشل، رجاء اقترحوا علي ما الذي أستطيع فعله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُصلح الأحوال، وأن يُقدر لك الخير حيث كان ثم يُرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يُحقق لك السعادة في طاعته والآمال.

لا شك أن الحل يبدأ بعودتك إلى الالتزام، ووضع الحدود للعلاقات، واعلمي أن هذا الدين أكرم الفتاة فجعلها مطلوبة عزيزة لا طالبة ذليلة، فلا تُقدّمي أي تنازلات لأي شاب إلَّا إذا طرق الباب وقابل أهلك الأحباب وأظهر نيته الفعلية، وجاء بأهله ليؤسِّس علاقة على هدى كتاب الله وأنوار السنة النبوية.

والمؤمنة العاقلة مثلك لا تُلدغ من الجحر الواحد مرتين، وأرجو أن يكون في الذي حصل هذا الدرس رغم مرارته إلَّا أن فيه الخير، وأنك عرفت حقائق الأمور قبل أن تتوسّعي في هذه العلاقة التي نهايتها لن تكون سارَّة، لأن هذا الرجل الذي تركك بهذه السهولة ولم ينجح في أن يُدافع عنك أو يحافظ على هذه العلاقة؛ من الخير أن يتضح لك الأمر منذ البداية، حتى لا تتورطي بعد ذلك فيكون بينكم أطفال ثم يترك الحياة بمنتهى السهولة وبمنتهى أن لا مسؤولية.

أرجو أن يكون في الذي حصل رغم مراراته خير لك، وعظة وعبرة، وأرجو كذلك أن أنبه إلى ضرورة التوبة من أي مخالفات أو تجاوزات حصلت في المرحلة المذكورة، لأن الحب الحلال والصداقة الفعلية بين الزوج وزوجته ينبغي أن تبدأ أولاً بالرباط الشرعي، وتأخير الرباط الشرعي خطأ يتكرر من أبنائنا وبناتنا وخطأ من الآباء والأمهات الذي سمحوا بذلك، والثمن غالي، لأن أي تجاوز في حدود الله تبارك وتعالى نحن ندفع ثمنًا غاليًا، ولذلك من المهم جدًّا إذا شعرت أن شابًّا يميل إليك أن تطلبي منه أولاً أن يأتي إلى داركم، وتدليّه على أرحامك – الأب أو الأخ، أو العم أو الخال – ليأتِ البيوت من أبوابها، ثم يأتي بأهله، حتى تتأكدي أن الرأي ليس عنده وحده، وإنما المسألة هي رغبة أسرة، لأن الزواج ليست علاقة بين فتاة وشاب فقط، بل هي علاقة أسرتين، بين بيتين، بين قبيلتين، ولذلك الإسلام يحرص على أن تكون العلاقة بهذا الوضوح.

والدين لا يمانع أن تحصل علاقة وتعارف وتفاهم، بل الخطبة أصلاً ما شُرعت إلَّا ليحصل التعارف، ليسأل عنك وعن أهلك، وتسألي عنه وعن أهله، ثم تكون العلاقة على قواعد راسخة.

أخيرًا: أرجو ألَّا يكون في الذي حدث سبب لترك تجربة الزواج أو التفكير؛ لأن هذا مجال لابد منه، والمرأة لا يمكن أن تسعد إلَّا مع رجل يُكرمها، والرجل لا يمكن أن يسعد إلَّا مع امرأة تكرمه وتُقدّره، وليس الفشل في التجربة الأولى دليل على أنك ستفشلين فيما بعدها، بل الفشل محطة مهمَّة في حياة كثير من الناجحين، فالمؤمن من خلال المواقف التي لم يُوفق فيها يقف للمراجعة، والمراجعة تبدأ بالتوبة والاستغفار ومزيد من الحرص، والانتباه لأهمية هذه العلاقة، وأن تكون من أوّلها ومن بدايتها على الطاعات ووفق المعايير المعمول بها عند الأسر وعند العوائل، فإن الناس اعتادوا ضوابط وقواعد مُعيَّنة يُقيموا عليها البيوت.

تستطيعين أن تفعلي الكثير، وأرجو أن تكون البداية بالتوبة والرجوع إلى الله، ثم بصرف النظر عن هذا الشاب، فإن بحث عنك واعتذر عن الخطأ وعاد هو وأهله إليك ورضي أهلك به فلا مانع من أن تعودي إليه، ولكن لا نريد أن تكوني أنت مَن تحاولي معه، وهو يحاول أن يبتعد، فإذا قرَّر وحدَّد رأيه وندم على ما حصل وعاد إليك فلا مانع من أن تُكملي معه، وإلَّا فالرجال غيره كثير، ونسأل الله أن يُقدّر لك الخير حيث كان ثم يُرضيك به، ورغم مرارة ما حصل إلَّا أن المرارة الشديدة كانت ستكون في الاستمرار في علاقة لها بداية ولا تُعرف لها نهايات مبشرة، إذا كان موقفًا بسيطًا مثل هذا فجّر الأوضاع فما بالك إذا استمرت، لذلك أرجو أن تُوقني أن الذي حصل هو الخير، والمؤمن كما قال عمر بن عبد العزيز: "كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار".

نسأل الله أن يُقدر لك الخير ثم يُرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً