الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت المتعة في كل شيء وصرت أؤذي نفسي، فما علاج ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 14 سنة، ومنذ سنة بدأت أنضج فكريًا، فبدأت أفكر كثيرًا في أي شيء كمستقبلي مثلًا أو نظرة الناس لي، ولكن بسبب كثرة التفكير أصبحت أكره نفسي بشدة، فأصبحت لا آكل لأيام حتى الإغماء، والجميع يعتقد أن السبب هو الرغبة في فقد الوزن، ولكن هذه طريقة أتخذها لتعذيب ذاتي. ولم أكتفِ بهذا فحسب، بل كلما شعرت بالحزن أجرح نفسي، وهكذا أحس بتحسن سواء بالضرب أو الخدش، وحتى بآلات حادة، لقد جربت كل هذا، فالبكاء لا يخفف عني كالجميع، بل أصبح شيئًا اعتدت عليه، فقد أبكي بكاءً شديدًا 3 مرات يوميًا أو أكثر.

فقدت المتعة في كل شيء، وأظن أنني إنسانة سيئة! فأنا لا أكره شكلي فقط بل نفسي بصفة عامة كما ذكرت سابقًا، وأفكر كثيرًا بصغائر الأمور فأصبحت أصدق أنه لا مستقبل لي غير الضياع أو الموت، فأنا إنسانة فاشلة، وحتى من هم معي في المدرسة يستهزؤون بي، وقد فكرت بالانتحار عدة مرات، وحاولت في البداية ولكن فكرت بأهلي وديني، وبعدها فقدت الاهتمام بوالديّ، فأنا عبء سيرتاحون منه بعد وفاتي.

الآن الشيء الوحيد الذي يمنعني هو خوفي من ربي وآخرتي، فأصبحت أكتفي بالدعاء على نفسي بالموت، وهناك مشاكل مع الأهل، فأنا أحس بعدم الحب من طرف الجميع حتى والدي، هم يوفرون الجانب المادي لكن لا يهتمون بالمعنوي، فهم يمنعونني من الخروج دائمًا ولا يسألون عني ويفضلون أختي، وأحيانًا يقومون بالتقبيل والمدح لها أمامي.

أصبحت أنفر منهم لكونهم لا يحترمون وجودي، وبسبب كثرة شجاراتنا، كما أنني أخبرتهم مرارًا بحاجتي إلى طبيب نفسي، فيكتفون بقول: "إنها مرحلة مراهقة ستمر، وأنتِ أكبر من الموضوع"، ويستهزؤون بحالتي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دعاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيتها الفاضلة الكريمة: مجمل الأعراض التي لديك دليل على أن شخصيتك لا تزال في مرحلة التكوين. نعم، أنتِ نضجتِ فكريًا، لكن أبعاد الشخصية لم تلتقِ حتى الآن، والأمر ليس فيه تأخير حقيقةً لأنكِ لا زلتِ صغيرة السن، إلا أنكِ -ما شاء الله- كبيرة الفكر.

وهذه الأعراض نشاهدها لدى من هم في سنك في بعض الأحيان، وتكون عَرَضية وتختفي. وفي بعض الأحيان قد تستمر وقتًا من الزمن، وقد تظهر السمات الكاملة لما يسمى باضطراب الشخصية الحدية، أو الشخصية البينية.

والتفكير في الانتحار والشعور بالخواء، والقيام بالضرب أو بالخدش بآلة حادة، لاستشعار الذات وتقلب المزاج: هذه نشاهدها كثيرًا لدى من لديهم شيء مما يعرف بالشخصية الحدية ،عند البنات على وجه الخصوص.

والعلاج هو:
أولًا: أن تكوني أكثر ثقة في نفسك.
ثانيًا: أن تنظمي وقتك.

ثالثًا: أن تحددي أهدافك، وأهم أهدافك في هذه المرحلة هو أن تركزي على دراستك، وتهتمي بأمور دينك، وتكوني محبة لوالديكِ، وتسعي دائمًا في برهما، وحاولي أن تعاملي الناس كما تحبي أن يعاملوكِ، وهذا مهم جدًا كمفهوم تربوي، ومفهوم سلوكي ممتاز.

رابعًا: يجب أن تمارسي الرياضة، فالرياضة تحرق هذه الطاقات السالبة التي لديكِ، ولديك طاقات سالبة كثيرة محتقنة، ومن خلال ممارسة الرياضة بصفة يومية – أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة – أرى أنها ستكون جيدة ومفيدة بالنسبة لكِ.

وأنتِ محقة في الحاجة للذهاب ومقابلة الطبيب النفسي ليصف لكِ أحد الأدوية المفيدة، كعقار (فلوكستين) مثلًا، فهو دواء مفيد، لكنني لا أفضل أن تتناوليه إلا تحت إشراف الطبيب النفسي. وبالتأكيد، فإن الطبيب النفسي سيدربكِ على سبيل المثال على التمارين الاسترخائية، وسيدربكِ على تمارين تجنب الغضب والتوترات، وهذه -إن شاء الله تعالى- كلها مفيدة.

فتكلمي مع والديكِ على الأسس التي ذكرناها لكِ في هذه الاستشارة، وأنا متأكد من أن قناعاتهم ستزداد بأهمية مقابلة الطبيب النفسي، وحقيقةً أنتِ لستِ مريضة، لكن الظاهرة التي لديكِ تستحق الاهتمام أيضًا، وتستحق أن تبدئي في بعض البرامج السلوكية الإرشادية، على نفس النمط الذي ذكرتُه لكِ، وهذا قطعًا سيجعل حالتكِ إن شاء الله تعالى تتحسن جدًا، وتعيشين حياة طيبة وسعيدة.

بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً